د. محمد عبد الحميد جارالله : الثورات بين السلطان المتغلب ومبدأ الشوري وفصل القضاء

الثورات بين السلطان المتغلب ومبدأ الشوري وفصل القضاء


لم يزل نظام الحكم الإسلامي في إدبار منذ الانقلاب الأول علي مبدأ الشوري إذأحيل إلي ملك متوارث يحمل الناس فيه علي البيعة بالإكراه ولسان مستبدّيهم يقول:   إنّ عليًّ اللهَ أن تبايعا  تؤخذ كرها أوتجئ طائعاً
وياليت الناس قد قبلوا ماتمناه النبي عليه السلام علي أمته باعتزالهم ، فقد روى البخاري عن أبي هريرة أنه صلي الله عليه وسلم ـ قال : (( يهلك الناسَ هذا الحيُّ من قريش ، قالو : فما تأمرنا ؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم ! )) وفي رواية عن أبي هريرة أيضاً أنه قال : (( هلاك أمّتي علي يدي غِلْمةٍ من قريش )) ، فغفر الله لبني أمّيةَ إذ سَنُّوها – وبئست البدعة- لمن بعدهم بحد السيف وتطويع الفكر ، حتي صارت عُرفاَ متقّبلاَ وتقليداً متبعاً لم يستطع أعدل أمرئهم وأرشدهم – رحمه الله – عنه خروجاً ، ولاَ منْ وَلِيَ من آل البيت – عليهم السلام – إذوِلَيَ  رجوعاً

من هنالك كانت بداية القصة ، قصة الخطوط الحمراء التي لايمكن تخطّيها إلأّ بالأيدي المضرّجة بالدماء ، غير أن لكثير من أمراء العصور الأولي أفضال لاتنكر رضِيَ بهامَنْ رضيَ علي الأثرة ِ التي تذكر ، وثار مَنْ علي الضيم والعدوان لايصبر ، ولأمرٍ ماكان في السورة التي فيها ذكر الشوري ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ماعليهم من سبيل . إنما السبيل علي اللذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ) وقد نُدِ بَ في سباق الآيات ولحاقها إلي العفو والإصلاح بعد إقرار العدل بالقسط ، فهل إلي تحقيق العدالة انتصاراَ للحق ونصرة للمظلوم إلي أن يفئ البْغُي أم إلي عود إلي مبدأ الشوري الأصيل من سبيل ؟ .
وهَبْ ياشيخ شيوخ السلطانِ أن من تدافع عنه صّوام قوّامٌ فتح الأمصار ووحّد الأقطار وأقام حضارة يُشْهَدُ لها بالإزدهار .
أيجوز له أن يقتل نفساً بريئة بغير حق أو أن يهتك عرضاً واحداً ؟ فإذا ادعُّيَ عليه بالبينات الواضحات بقتل الآلاف وهتك أعراض المئات بَلْه القصاص في الجِراحِ أفلا يُّذْعِن للقضاء ؟ فإن كان بريئاً عاد وضاء الجبين ، وإن كان مجرماً أخذ بذنبه ،
أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله ؟ أوَ مايجوز لمن صِيل علي عرضه أونفسه أن يدفع الصائل بما يتاح ؟
فلا سمع بعد اليوم ولاطاعة لسلاطين الإجرام وممالك الظلام ، ولاإلي لغْوِ مُطوَّعةِ الدّين لتمكين أولئك الشياطين ، فمثَلُهم كمثل من قيل فيه : (( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاخزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلي أشد العذاب ومالله بغافل عما يعملون أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرةِ فلايخفّف عنهم العذاب ولاهم ينصرون )) .
فما أحوجنا إلي فقه معاصر – وقد تحررت العقول – وإلي فقهاء ينهلون من المنهاج الأول للنبوّة فيؤصّلون لدولة ٍ يكون الحكم فيها دُولةً لا يتغلب فيها متغلبٌ بالقهر ، ولايستبدّ ذورأي جامح بالأمر ، ينتخب فيها القادة – ويد الله مع الجماعة – برضي وتوافق جمهور الناس ، ولاخير من الصندوق الشفاف بإشراف نزيهٍ وسيلةً لأفضل بيعةٍ وأنفع مشروعِ للإعمار ، وتسود فيها عدالة القانون بفصل القضاء واستقلاله ، وتصان فيها الحريات لاسيما حرية التعبير ، وفي سعة الإسلام الصالح لكل زمان ومكان بعموم مبادئه وثباتها ، وإنسانية قيمه ومرونة تشريعاته القابلة للتغيير بتغير الأحوال وتطور البيئات ماينتج فكراً وفقهاً يتناسب مع أحدث المدنيات ، فهلا نختار وقد سنحت لنا فرصة الاختيار مايجعل من الوطن براحاً جامعاً مزدهراً آمناً يسع أبناءه علي تعدد أطيافهم واختلاف مشاربهم مسلمين وغير مسلمين        




                                                                        د. محمد عبد الحميد جارالله
                                                                      عميد كلية الدراسات الإسلامية / البيضاء 

No comments:

Post a Comment

Followers

Pageviews