د. أحمد سعيد : ثورة بلا رأس


ثورة بلا رأس
د. أحمد سعيد 

كل الثورات التي قامت في التاريخالبشري وكللت بالنجاح كان على رأسها قيادات مؤهلة قادرة على إدارة الصراع، فالثورات:الصينية، والبلشفية، والفيتنامية، والفرنسية، والإنجليزية والأمريكية ... إلخ كلهاكانت مخططة ومنفذة بقيادات من هذا النوع.       
لعل من سؤ حظ ليبيا قيام شبابهابالثورة ضد نظام الظلم والطغيان بدون رأس (قيادة) ؛ فغياب القيادة المخططة لها منذاللحظة الأولى أدى لاحقا إلى بروز العديد من السلبيات التي كان بوسع أي مراقب أنيدركها دون عناء.
ضعف الأداء السياسي والإعلامي للمجلس الوطنيوكذلك العسكري الذي يشكو منه البعض راجع بالأساس إلى أن هذين المجلسين ليس هما منقاما بالثورة، فمعظم الأعضاء فيهما لم يكونوا في يوم من الأيام معارضين لنظامالقهر ، بل على العكس من ذلك الكثير منهم كان يعمل مع النظام، بل ليسوا ممنيفكر في الثورة أساسا، فحال هؤلاء كحال من وجد نفسه في غرفة قيادة قطار ملئبالركاب، وهو لم يركب قطارا قط من قبل فكيف له ولأمثاله أن يقود هذا القطار؟ الذييجد شيئا لم يصنعه يصعب عليه تشغيله وإدارته. هذه هي مشكلة الثورة الليبية منذالبداية ؟ فبطء أداء المجلس ومعظم السلبيات التي يتكلم عنها البعض هنا أو هناكراجعة إلى هذا السبب وهو قيام الثورة بدون رأس مدبر، وتولي إدارتها من لم يصنعهافعجز عن قيادتها؟
الثورة الليبية أشعلها شباب صغار لايعرفون شيئا عن عالم السياسة وألاعيبها، ولا يعرفون إلا أن هناك ظلما واقع عليهموعلى وطنهم فهبوا لإسقاط النظام، ولم يكن لهم قيادة أو مخطط لذلك، ولكنهم صنعواالثورة دون أن يعرفوا إدارتها. وهنا دخل على الخط من لا يحسن قيادة قطارها لمارأوا مقطورة القيادة فارغة، وإذا استثنينا الرجل الطيب مصطفى عبد الجليل الذي جيءبه وبعضا ممن في المجلس، فإن الآخرين دخلوا المجلس أو جيئ بهم ظانين أنه كنز المغانم،وأن القذافي سينتهي خلال أسبوعين أو ثلاثة؛ على غرار ما حدث في تونس ومصر؛ ثميجدون أنفسهم في كراسي الوزارة، ولكن الأمر طال، وبدأت السلبيات وأعراض عدمالكفاءة القيادية في البروز، وكا أول علامات ذلك عجز المجلس وإلى الأن عن إنشاءصفحة قوية على الشبكة الإلكترونية تكون المعبرة عن صوته، ومصدرا موثوقا لأخبارالثورة ومجريات أحداثها بدلا من من الصفحة الهزيلة التي ولدت ميتة، في حين يوجدالمئات من الشباب المتخصص الذين لا ينقصهم إلا من يحركهم ويخرج طاقاتهم الهائلة فيهذا المجال .. ولكنه القصور ممن احتلوا أماكن ليست لهم وقفلوا الطريق علىالقادرين؟
ومن مظاهر العجز انتشار المليشياتالمسلحة وعدم القدرة على ضبط السلاح، لأن غالب أعضاء المجلس ليس لهم جذور تنظيميةأو شعبية في صفوف الثوار من الأساس ومن هنا لا يسمع لهم أحد؛ وقد ساهم في تفاقم هذهالمشكلة قفل الباب على الليبيين في الخارج ممن لهم القدرة على التعامل مع هذهالمشكلة وحلها، وهذا نتيجة غياب الشعور بالمسؤلية والروح الوطنية التي تدفع غيرالقادر على التنحي وإفساح المجال للقادرين؛ ولكنها الأنانية وروح الغنيمة وحبالظهور، ولو كان الثمن نزيف حاد في دماء الوطن.
ومن السلبيات أنه كلما انشق شخص من رجالالقذافي أتوا به للمجلس حتى قال أحد الظرفاء: لم يبق إلا القذافي لينشق ويتولىرئاسة المجلس الإنتقالي!
وهناك أنباء يؤيدها الواقع أن محمودجبريل سيأتي - بضغط من القوى الكبرى- بجماعة القذافي للوزارة الجديدة أو اللاحقة؛فإذا كان لمصر وتونس جيشان نظاميان حققا لهم ما يريدون من الالتفاف على الثورتينوإجهاضهما، فالجيش القادم في ليبيا هو بقايا رجال القذافي الذين يراد فرضهم علىالواقع الليبي كي يحققوا لهم ما يريدون؛ وهذا ما سنتولى شرحه في مقال قادم.  
لوكان للثورة قيادة فجرتها أو كانالشباب الذين قاموا بها على درجة من الوعي والتنظيم لكانوا هم من شكل المجلسالإنتقالي وحدد من يدخل فيه؟ خاصة في هذه الفترة الحرجة؛ ومما يدل على سذاجة شبابالثورة سياسيا عدم وجودهم في المجلس الإنتقالي باستثناء المحامي فتحي تربل الذي وضعهخاطفو قطار الثورة معهم في المقصورة ولكن بصورة (لا يهش فيها ولا ينش) مع أناعتقاله كان الشرارة التي فجرت الثورة؟!
الذي حدث أن تسرب إلى المجلس أكثر منكان يعمل في برامج سيف القذافي، وهؤلاء منهم من جاء بأهل ربعه أو  حزبه!
دخل المجلس في بدايته محمد المفتي وهوشيوعي قديم؛ وما هو إلا أسبوع حتى كان معه المدعو على الترهوني وهو شيوعي! وبعدفترة بسيطة كان في المجلس الشيوعي الذي يفتخر بشيوعيته محمود شمام ولحق بهم منجماعتهم العلاقي، هذا بخلاف البعثيين البعجة وفنوش، ثم وبطريقة ما جيء بمحمودجبريل ويقال أنه يساري أيضا، وقد تسرب خبر أنه فرض على المجلس من قبل القوىالدولية؟! والرجل من رجال الأعمال وقد يكون ناجحا في هذا الجانب، لكن تصرفاته إلىلا  تنبئ عن إداري ناجح، وما يقوله البعضعن قدرته التخطيطية نتيجة سماعهم لما قاله في لقاء تلفزيوني، يدلل على سذاجةسياسية وفكرية في ذات الوقت، فليس كل من قال بعض المعلومات التخصصية في مجالما  يجعله بالضرورة إداريا ناجحا، كمالاننسى أن كل الذين عملوا مع دكتاتوريين أو أنظمة فاسدة عندما يتحدثون عن تجربتهمالسياسية يتكلمون وكأنهم البطل السري الذي كان يعمل في صالح الشعب!
كيف لرجل يقال أنه متخصص في الإدارةوحل الأزمات أن يدير ليبيا بالتلفون من قطر، إن من أكبر علامات الفشل القيادي عدمنزوله للميدان حتى الآن، القائد الإداري الناجح في أزمة مثل أزمة ليبيا هو من يطوفعلى المدن المحررة يزور المصابين، ويذهب للجبهات يشجع المقاتلين في أحلك أوقاتهمويشعرهم بالإلتحام بين القيادة والشعب الثائر، لا أن يدير الأمور بالهاتف بحجةالفوضى في بنغازي، وهذه حجة عليه لا له لأن الإداري الناجح هو الذي يملك القدرةعلى ضبط الأمور لا أن يهرب منها.
والحقيقة أن اللوم  يوجه إلى من أتى به لتولى اللجنة التنفيذية،فالرجل لم يكن في يوم من الأيام معارضا للقذافي المجرم، بل عمل مستشارا لابنالطاغية والله أعلم بما حقق من مكاسب من وراء ذلك سيكشفها التاريخ، عاش في مصروبعدها في الخليج بمعنى أن الرجل (بزنس مان) لم تكن ليبيا قضيته في يوم منالأيام  ولم يعرف عنه أنه قال للطاغية كلمةلا، كل ما أفلح فيه هو وشمام قفل الباب في وجه الكفاءات الوطنية وخاصة الذين فيالخارج والمعارضين منهم بصفة خاصة، الذين قضوا نصف أعمارهم في مقاومة القذافيوإبقاء القضية الليبية حية.
ومن السلبيات إعطائها حقائب وزاريةكالداخلية والدفاع لشخصيات طاعنة في السن ومنتهية الصلاحية  ذهنيا وجسميا مثل الضراط والدغيلي، أناس ينسونبالغد ما قرروه اليوم.
دعونا من التصنيف ليبيا لليبيين و (كلشاة معلقة مع عرقوبها) الشيء المهم هو الوطنية! كلمات يقولها بعض الليبيينالطيبين! وهذا الكلام صحيح من حيث المبدأ، ولكن ما يجري على أرض الواقع هو سياسةالإبعاد التي يمارسها هؤلاء؟
شمام والذين معه قفلوا أبواب قناةليبيا الأحرار في وجه الشخصيات التي لا تعجبهم أو تخالفهم في التوجه وخاصةالمعارضين الليبيين الذين في الخارج، في الوقت الذي فتحوا فيه أبواب اللقاءاتلأناس لا يقدمون للمشاهد ما يفيد، علما بأن القناة أنشئت بأموال قطرية، ولكنه ومنمعه يتعاملون وكأن القناة ملكية خاصة بهم!؟ كيف يعقل إجراء اللقاءات مع العواموتجاهل رموز معارضة لسنوات طويلة؟ مثل المجريسي ومفتاح الطيار ومحمد بن حميدة وسليمالرقعي الذي كتب عبر السنوات العشر مئات المقالات المحرضة لليبيين والفاضحةللقذافي ولنظامه الإجرامي مالم يكتبه معارض في الدنيا وغيرهم كثير؟! أمثال هؤلاءلا يريد شمام أن يرى وجوههم في القناة التي يرى أنها ملكا شخصيا له، وأتي لأدارتهابأناس من نفس طينته إمرأة تريد الزواج بأربعة رجال >>>>،  ويقفل إدارتها في وجه الشرفاء من أبناء ليبيا،كيف يعقل أن تفتح (قناة الآن) الكويتية أبوابها لمعارضين ليبيين يتكلمون فيها عنالشأن الليبي وقتما يشاؤون وتقفل قناة ليبيا الأحرار أبوابها في وجوههم؟!
لم يكن شمام معارضا حقيقيا لنظامالقذافي في يوم من الأيام، والظهور في بعض اللقاءات التلفزيونية ونقد النظام فيمسألة تحديد يوم العيد الأضحى وأمثال هذه المسائل لا يصير الإنسان في صفالمعارضين، فحتى الصحفيين يقومون بهذا الدور؟
 لقد كان محمود شمام حجر عثرة في عودة بعض الناسممن أسسوا بعض الأعمال لصالح الثورة في الداخل في أيامها الأولى، فحال شمام دونعودتهم إلى ليبيا عبر طائرة الإغاثة القطرية لمجرد كونهم من الإسلاميين الذينيكرههم كما  يكره أحدنا الموت، فكيفلعقليات مثل هذه تتكلم عن الديموقراطية والحرية ليل نهار في الفضائيات وعندالممارسة يظهر خلاف ما يدعون، والشيء نفسه يمارسه أناس في المجلس الانتقالي -بطريقة ما - وهو قفل باب المجلس في وجه الكفاءات الليبية التي في الخارج خاصة منوجوه المعارضة التي ينظرون إليهم كمنافسين لا يرغبون في عودتهم، كما لم يبذلالمسؤولون في المجلس الجهود الكافية مع النظامين المصري والتونسي اللذين يمنعانالليبيين المطلوبين من القذافي من العودة عبر أراضيهما؟! فحتى الآن لا زال الكثيرمن الليبيين محرومين من العودة بسبب هذه الإجراءات البوليسية من أنظمة الإجرامالحاكمة لهذين القطرين الشقيقين!؟ لقد عجز المجلس حتى عن توفير سفينة منتظمةلليبيين الذين يريدون العودة إلى وطنهم أو مغادرته إلى أوربا عن طريق تركيا أومالطا أو أي دولة أوروبية فضلا عن طائرة، ولا يدري المرء أهذا قصور أم تقصير أمإهمال متعمد؟ بدل الإذلال الذي تعرض له كثير من الليبيين في مطاري القاهرة وقرطاجوأعادتهم وكأنهم مجرمين قائلين لهم أنتم خطر على الأمن الوطني؛ فخسروا أوقاتهموثمن التذاكر واحترقت أعصابهم في مطارات دول الإرهاب هذه ثم أعادوهم من حيث أتوا،وفيهم من كان محروما من العودة إلى ليبيا أكثر من عشرين سنة؟!
هذا المقال ليس للنقد من أجل النقد؛ولكنها كلمة تحذير لكل الليبيين أن ينتبهوا لثورتهم من أن يخطفها اللصوصوالمنتفعون وتجار الأزمات وأغنياء الحروب، على الليبيين أن يحولوا دون تولي غيرالمؤهلين والنفعيين والقبليين المناصب القيادية في ليبيا، على الليبيين ألا يسمحوالرجال القذافي من اللجان الثورية وغيرهم أن يتولوا أي منصب في ليبيا المستقبل بحجةأنهم ليبيون وأنهم انحازوا للثورة وعفا الله عما سلف، إن الليبيين إذا فعلوا ذلكفسيندمون حين لا ينفع الندم. من يظن أن ليبيا ضيعة أو لقطة سائبة لأصاحب الأطماع الشخصيةأو الجهوية أو القبلية أو الحزبية، ليبيا لليبيين جميعا، ومن يحاول أن ينفرد بهالحساباته الشخصية أو لأي جهة كانت فلن يجني إلا الشوك، فلا يظنن أحد أو أي جهة ولوكانت دولية أنها ستفرض على الليبيين أي نظام غير ذلك الذي سيقرره الشعب الليبي،ومن يظن ذلك فعليه أن يتذكر أن الليبيين لن ينسوا درسا قاسيا أخذوه في اثنتينوأربعين سنة، وكان ثمن استيعابه أكثر من ثلاثين ألف شهيد، فلا أظنهم سيسلمونقيادهم ويتنازلوا عن حريتهم في تقرير مصيرهم لأي كان، ومن يفكر في ذلك مستقبلافسيكون مصيره مثل مصير نمرود سرت، فالظن أن الليبيين قد وعوا الدرس وياله من درس.

No comments:

Post a Comment

Followers

Pageviews