سكان تاورغاء


 أذكر لكمما رأيت بنفسى فى مطار معيتيقة أثناء محاولتى الرجوع لبنغازى من أعداد غفيرة من مهجرين(التوارغة) إلى بنغازى و غيرها من مدن الشرق هربا من أعمال ذات طابع انتقامى من ثوارمصراته.

ونظرا لتشابه لمأساةالعديد من التوارغة الأبرياء منهم و تخوفاتهم من بطش الثوار المنفلتين مع مأساة الأفارقةالأبرياء الذين لم ينخرطوا فى أى عمل إجرامى ضد الشعب الليبى كذلك كان لى أن أدلى بدلوىفى ظروف هذه الملابسات وأن أكتب بقلمى شيئا عن الإحساس بهذا التخوف .
و مع إجراء حوارفى صالة مطار معيتيقة مع الطالب خيرى التاورغى بكلية الهندسة قسم الكهرباء و الذى يصطحبمعه الأسرة بالكامل و المكونة من قرابة عشرة أنفار, أكد لى أنه تم تهجيرهم من تاورغاءإلى طرابلس و التى لم يسلموا من المضايقات بها إلى أن قررت الأسرة الهجرة باتجاه الشرق.


و مع مزيد من التقصىعن ملابسات التوتر بين المدينتين الليبيتين , اتضح أنه ما يحصل الآن من أعمال انتقاميةمن قبل ثوار مصراته ضد سكان تاورغاء جراء إنخراط حفنة مجرمين من التوارغة فى أعمالإجرامية بشعة إبان دعمهم لنظام الطاغية المنهار فضلا عن إيواء تاورغاء لكتائب القذافىطوعا و كرها.

و رغم بشاعة ما ترددمن جرائم أقترفها مجرموا التوارغة فى محاولة منهم لوأد ثورة 17 فبراير و التنكيل بثوارمصراته إلا أن هذا ليس بالمبرر حتى ما يتم تهجير مدينة ليبية كاملة قوامها لا يقل عن30 الف مواطن ليبى بعد انتصار الثورة لأن الخاسر الأكبر بهذه الفعلة الانتقامية هىالثورة نفسها و الفاتورة التى ستدفع لإيواء هؤلاء المهجرين الأبرياء منهم فضلا عن النساءو الأطفال هى من مقدرات الشعب الليبى و التى باتت أغلبها أموال مجمدة فى بنوك المجتمعالدولى الذى دعم هذه الثورة بعد أن تبجح نظام الطاغية بأنه لا سبيل لهذا الشعب لينالحريته و مقدراته ما دفع إلى عسكرة الثورة فبات هو الخاسر لاعتماده على فرط القوة دونأى حساب للقانون و للشرعية الدولية و لكرامة شعبه.
و الآن إذا لم يعىالثوار (ثوار مصراته/ثوار الجبل/ثوار بنغازى أو أى منطقة) أن منطق القوة قد كان أكبرمثال صارخ لخسارة نظام الطاغية و الذى غرته قوته و آلته العسكرية الفتاكة, فقد يخسرالثوار أنفسهم ما هو أكبر ثمنا من النصر نفسه...صحيح أن ما ذكر عن طبيعة الأعمال الإجراميةو التى قامت بها مجرد حفنة من مجرمى مدينة توارغاء فاقت الوصف و لكن هناك قنوات قانونيةللاقتصاص من هؤلاء المجرمين السفهاء و لا يترك الأمر للمتحمسين للإنتقام من الثوارحتى ما يهجروا مدينة كاملة الأبرياء منهم و الشيوخ و الأطفال و النساء فضلا عن أن هناكثوار من مدينة تاورغاء من قدم نفسه و ماله دعما لهذه الثورة المجيدة و التى باتت علىشفير جرف الخسارة إذا لم يرعوى و يتعقل الثوار و يطلبون أن يجعل الله ثأرهم على منظلمهم و ليس على مدينة كاملة يهجرونها ثم يدفعون تكاليف إيواءهم الباهظة بمدن داخلنفس الوطن.

لابد للثوار من توعيةلماهية التبعة السلبية التى قد ينجر إليها بلدهم بالكامل و هى (ليبيا) و ليست مصراتهأو زاوية المحجوب أو أى بقعة جغرافية داخل تراب ليبيا , فالتبعة السلبية تتمثل فى الآتى:

أولا: انحسار دعمالمجتمع الدولى لهذه الثورة بل إنقلاب المجتمع الدولى على هذه الثورة و هذا ما بدأتتلوح به بعض تقارير منظمات حقوق الإنسان بكون الثوار يقترفون أعمال تخريبية و انتقاميةقد ترقى إلى مستوى جرم أعمال أفراد كتائب القذافى.

ثانيا: ما يترتبعلى إنحسار دعم المجتمع الدولى من تلكأ فى دفع أموال مجمدة مستحقة للشعب الليبى مايجعل كلفة الحرب و تبعتها على المواطن الليبى باهظة الثمن أكثر مما هى عليه الآن, فاعتمادالشعب الليبى على هذه الأموال كبير فى إعادة تأهيل الجرحى و تعويض أسر الشهداء و إعادةالإعمار و غيره.

ثالثا: تكاليف إيواءهذا العدد الغفير من سكان هذه المدينة فى مناطق و مدن أخرى بالإضافة إلى ضرورة توظيفمواطنيها من موظفيين و إعادة طلاب مدارس و جامعات إلى ثكنات التعليم بمناطق أخرى أيضاباهظة الثمن فضلا عن صعوبة دمجهم فى مناطق تعتبر غريبة عليهم و لو أنها داخل ليبيابل و التخوف من تعرضهم للإبتزاز و التحرش على أعتبارهم أقليات منبوذة.

رابعا: فقدان دعمالخيرين و الأخيار لهذه الثورة إذا ما استمر نهج المنفلتين من الثوار فى تعنتهم و تحمسهمللإنتقام من مجمرمى و بريئى قاطنى مناطق أو مدن بعينها دون تمييز أو مراعاه لعدالةالسماء و قوانين البشر و التى تنص على عدم مؤاخذة الأبرياء مع المجرمين جميعا و رميهمفى سلة واحدة, و قد سبق أن هدد المستشار مصطفى عبد الجليل بالاستقالة من منصب رئاسةالمجلس الوطنى بدافع الإمتعاض من أفعال بعض الثوار المنفلتين..ففى فقدان هكذا شخصياتخيرة فقدان لرمز الثورة و خيانة لدم الشهداء الذى كان سببا مباشرا لزهد هكذا شخصياتخيرة لمنصب رفيع فى النظام السابق إيثارا منهم للوقوف بصف الثوار, و فى فقدان مثل هكذاقيادات نزيهة خسارة للثورة نظرا لصعوبة تعيين قيادات جديدة باتفاق كافة أرجاء ليبياالمهددة أصلا بنشوب خلافات بين أبناء جلدتها فى الظرف الراهن.

خامسا: كون أن أغلبسكان مدينة تاورغاء من ذوى البشرة السمراء ما يجعل من طبيعة لونهم الداكن رغم أصالةوطنيتهم نذير شؤم حرب ونتن ريح احتقان بين أبناء وطن واحد و بلون بشرة مختلف على غرارما حصل فى بلاد أخرى بين السود و البيض, و هذا النوع من الحروب الأهلية أفتك بالوطنمن الحروب بين القبائل و المدن نظرا لانتشار كلا اللونين من البشرة فى كل أرجاء ليبيا.

سادسا و أخيرا: معاستمرار أساليب الانتقام المنفلت من مدن معينة فقط لمجرد ضلوع أعداد و لو غفيرة منهافى التنكيل بالثوار إبان عهد نظام الطاغية ما هو إلا استمرار لانتصار الطاغية و فلولنظامه المتعفن و الذى ماانفك يهدد و يلوح بحصول حرب أهلية فى ليبيا فى حال زواله فقدكان كثيرا ما يستخدم هذه الفزاعة حتى ما يتراجع المؤيدين للثورة عن تأييدهم و الرضوخلنظامه الفولاذى.

و عليه نرجوا للثوارأن يتفهموا أن فى انتقامهم المنفلت خراب لبيوتهم قبل خراب بيوت من ينتقمون منهم و ضياعلحقوقهم التى اغتصبها زمرة مجرمة بحق البشرية.

و بما أنى سودانىمقيم فى ليبيا منذ قرابة 4 عقود و قد ساءني كثيرا ماتردد عن انخراط الأفارقة و زمرةمن السودانيين(مقاتلى دارفور) فى دعمهم لنظام الطاغية و ما ترتب على ذلك من مردود سيءعلى الجالية السودانية المقيمة بليبيا و تخوفات من حدوث أعمال إنتقامية ضد أبناء السودانالموجودين بليبيا و التى تجاوزها الثوار بفضل رقى وعيهم و تفهمهم أن مؤاخذة المجرمينعلى جرمهم هو السبيل لانتصار الثورة و لا يمكن التنكيل بكل الأفارقة فقط لمجرد كونهمأفارقة أو من بلد ساهمت حكوماتها دأبا فى نصرة نظام طاغوتى.


سوداني مقيم في ليبيا منذ 4 عقود



No comments:

Post a Comment

Followers

Pageviews