د فتحي رجب العكاري : حصاد الأربعين خريفا




           لقد جثم نظام الطاغيةألقذافي على صدر الشعب الليبي أكثر من أربعة عقود استغل أولها للسيطرة التامة علىالبلاد ثم قضى أربعين عاما في تدمير كل قدرات هذا الشعب. بدا الفساد براس الدولةثم تدرج إلى أدنى مستوى فيها فلم يسلم من ذلك شيء، الفساد عم جميع الوظائف والقوات المسلحة و الصحة و التعليم و القضاء و الشرطة. فانتشرت الوساطة و المحسوبيةو الرشوة و الإثراء الغير مشروع و عم الفساد جميع مؤسسات الدولة.

 بل وصل الفساد إلى عقول المواطنينفصدقوا كل أكاذيب ألقذافي و دجله و المثل يقول" التكرار يعلم الحمار"، والدليل على ذلك خوف الكثيرين منا حتى الآن من الحزبية و الأحزاب و خوف الكثيرينفينا من الإسلاميين أو المتدينين و العلمانيين بيننا و تعلق الكثيرين منا بمنيعرفون خوفا ممن لا يعرفون، و هذه كلها أمراض علاجها في الممارسة الديمقراطية.
 فالممارسة الديمقراطية السليمةتضمن العدل بين الجميع و تحقق المساواة بين كل المناطق و الأفراد و يمكن من خلالهامحاربة الفساد و كشف أساليبه قبل أن يستفحل. و بطبيعة الحال لن نقفز من حال إلىحال فنحن لا نملك عصى موسى و علينا تجنب مواقع الخلل التي عودنا عليها الطاغية، ويجب علينا أن نغرس جذور المساواة و العدالة بين أفراد المجتمع من خلال بعضالتوجهات و الممارسات السليمة في التعيين و التقييم و المتابعة و المحاسبة. فكلالوظائف يجب أن يفتح باب التنافس فيها أمام الجميع حسب الشروط المطلوبة و التي يجبتوفرها في المتقدم لها.
الوظيفة أمانة
الوظيفة أمانة قبل أن تكون مصدر رزق، و الموظف يطلب منه أداء أعمال محددةمقابل تمتعه ببعض الحقوق و المزايا و بالتالي يجب أن تتوفر الشفافية في التعيين والتقييم و المتابعة و المحاسبة بأساليب علمية. و لكي يتحقق شرط المساواة و الشفافيةأرى الآتي:
أولا: الإعلان عن كل وظيفة شاغرة في وسائل الإعلام العامة، بحيث يحتوي الإعلانعلى الشروط التي يجب توفرها في المتقدم و الواجبات المنوطة بالموظف بالتفصيل ومزايا الوظيفة، و آخر موعد لتسليم الطلبات.
ثانيا: تشكل لجنة مختصة للنظر في طلبات المتقدمين لا تقل عن خمسة أعضاءبينهم عضوان من الإدارة المختصة بالعمل و مستشار قانوني مستقل و خبير مستقل و عضومن المجلس المحلي في المنطقة. و تقوم هذه اللجنة بدراسة الطلبات و تحديد من يعطىفرصة المقابلة ثم تجري المقابلة أو الامتحان لاختيار العنصر الأفضل، ثم تقوم بالردكتابيا على كل من تقدم كي يعرف تفاصيل ما حدث و يطمئن على سير الأمور ففي هذا بناءللثقة بين الجميع.
و عند تعيين أي وزير في حكومة المرحلة الانتقالية أقترح عليه البدء من أعلىإلى أسفل السلم الوظيفي لتصحيح المواقع المختلفة بالتدريج، فالمعايير في السابقكانت في معظم الأحوال فاسدة و خاصة في المواقع القيادية و السيادية، و ثورة 17فبراير لم تكن ضد معمر لوحده و لكن ضد كل أسس نظامه الفاسد، و ما بني على الفساديبقى فاسدا.
شرطة المدن أو القرى
لكي نبني الثقة بين الشرطة و أفراد المجتمع أرى أن تكون الشرطة في أي مدينةأو قرية من أهلها، فأهل المدينة أدرى بشعابها و أقدر على معاملة الناس فيها معاملةمناسبة. و إذا كان هناك حرج في أن يؤم ابن القرية رجال المدن فمن الأفضل أن لايحقق معهم أو يستوقفهم في شوارعها.
 كما يجب فتح وظائف الشرطة أمامخريجي الجامعات لرفع مستوى الأداء العام و تحسين صورة الشرطة في عيون الناس. وعنصر الشرطة يجب أن يمارس النصح و التوجيه أكثر من إرهاب المواطنين بقوة القانون،و نود له أن يكون صديقا للجميع يطمئن الناس لرؤيته في الشوارع.
مكاتب التسجيل العقاري
من مظاهر الفساد في عهد الطاغية تحول مكاتب التسجيل العقاري من أمين علىممتلكات الناس إلى فرق للتزوير و التلاعب و بيع و تخصيص الأراضي و الممتلكات لهذافإني أقترح أن يعين فيها خيرة أبناء كل مدينة من أهل التقوى و الأمانة و الصلاح منرجال القضاء و المهندسين حرصا عل أموال و ممتلكات الناس و خاصة الأيتام. كما يجبعلينا مراجعة السجلات و معاقبة أي مزور لها.
مكاتب التخطيط العمراني
وهذه مثلها مثل مكاتب التسجيل العقاري ساهم المرتشون فيها في تخصيص الأراضيو تحويل تصنيفها مقابل الرشاوي و بالتالي تم القضاء على كل الحدائق في المدن و تمالتلاعب بأرض الوقف و أراضي و ممتلكات الدولة.
 و هنا كذلك أقترح تكليف خيرة أبناءكل مدينة من المهندسين و المعماريين بتسيير هذه المكاتب و مراجعة أعمالها السابقةو تقديم المفسدين للقضاء، و كل مدينة تعرف من أفسد مخططاتها.
إدارة الجوازات و الجنسية
لقد حدثت الكثير من المخالفات في منح الجنسية و منعها أو حجبها لأسبابسياسية و يجدر بنا الآن أن نرجع هذا العمل الهام لخيرة رجال الجوازات و القضاءلتصحيح الخطأ و إحقاق الحق.
 السفاراتالليبية في الخارج
لقد عشعش الفساد في كثير من السفارات حتى تحول بعضها إلى مكاتب لبيعالعملات و السمسرة هذا إن لم تستخدم كمكاتب للتحقيق و التعذيب و مراكز الإرهاب، ونجد فيها أحيانا من لا يجيد لغات أجنبية و يتم التعيين فيها من مكاتب الاتصالباللجان الشيطانية أو الأمن الخارجي.
 و لهذا فإني أقترح على الحكومةالانتقالية إعادة النظر في جميع المكاتب في جميع أنحاء العالم و لا يجوز الإبقاءعليهم في وظائفهم، فهم لا يحترمون المواطن و لا يخدمون إلا معارفهم إلا القليلمنهم.
            بناء على هذا العرض السريع يتضح خطأ الإبقاء علىالمسئولين في مواقعهم، فالثورة قامت للتصحيح و ليس لتثبيت الفاسدين و الفساد، وربما تكون التركة كبيرة لكن الثمن الذي دفعه الليبيون من أجل التغيير كان كبيراأيضا.

No comments:

Post a Comment

Followers

Pageviews