أحزاب وتنظيمات في فضاء مفتوح
من أحزاب المعارضة إلى مؤسسات المجتمع المدني
من أحزاب المعارضة إلى مؤسسات المجتمع المدني
لقد كانت مساحات العمل الوطني في أيام النظام السابق لا تسمح بحق تكوين الأحزاب، والمشاركة السياسية وجرمت هذه الأفعال وحرمت المواطن من الممارسة الطبيعية لحقه وتشكيل شخصيته، ولم يكن أمام المواطن إلا التنظيمات والتشكيلات السرية الوطنية على اختلاف توجهاتها العسكرية والاسلامية والعلمانية وغيرها وكانت كل هذه محفوفة بالمخاطر تعرض صاحبها للسجن أو القتل أو التشريد أو يختار الأمر الواقع ويسالم السلطة يعمل بما يستطيع أدائه تحت سقف السلطة، وبماتمليه عليه من شروط وقيود.
لم تكن تلك الأجواء لتساعد قيادات تلك الأحزاب على أدارة تنظيماتها بالشكل المفتوح المبني على الحوار والشورى وتبادل الأراء ونضجها، بل كانت كثير من هذه القيادات مجهولة لدى قواعدها وكانت تدار بطريقة شبه عسكرية بين قيادة تأمر وتخطط وترسم وجنود ينفذون بناء على الثقة وإطاعة الأوامر والتضحية.
كانت الظروف هي الحاكمة، وسلامة أفرادها من الأعتقال والإنكشاف كان لها الأولوية في الاهتمام والرعاية، لهذا كان الحس الأمني هو الغالب على العمل التنظيمي واطاعة الأمور من أجل صالح الوطن، وحماية منتسبيها كان المقدم على توسيع دائرة الشورى والحوار.
لم تمنع تلك الترتيبات الأمنية، والحرص القيادي من تعرض كثير من أفرادها للسجن والتعذيب والتشريد والقتل، وامتلأت السجون بالاحرار من أبناء ليبيا للمنتمي منهم وغير المنتمي، وحدث في تاريخ ليبيا أبشع المجازر والمذابح،
ولما أشتدت وطأة النظام انتقلت كثير من هذه القيادات الى المهجر فيما ظلت كثير من قواعدها في الداخل مما زاد من الفجوة والبعد بين القيادة والصف.
مع التفهم والتقدير للظروف التي لازمت هذه التنظيمات من أجواء ضاغطة، وأزمات مستمرة وأجواء غير مريحة لم تسمح لهذه القيادات بالعمل الطبيعي السليم، إلا أن طول هذه الفترة صنع معه ثقافة مشوهة، وأمراض تنظيمية صاحبت تلك الفترات من سيطرة عائلات وأصهار، وتحكم جماعات ضغط ومصالح، وتوافق أمزجة للقيادة، واستعملت الوصاية وعدم الثقة، وأقصي كثيرون للمخالفة، وعدم الأرتياح، مع وجود الأثر النفسي للهزات والأحداث، وانشقت تكتلات وجماعات من التنظيمات الأم، وتبادلت التهم والشكوك والطعن فيما استقال آخرون واستقلوا.
لقد بنيت معظم نلك التنظيمات على مبدأ الجندية والطاعة، وكان هذا يساعد في تنفيذ الأعمال لكنه لم يصنع كوادر، ولم يجدد القيادة من فوق، ولم تنقل تلك القيادات أفرادها الى مستوى أرقى وأكتفت بقياداتها السابقة، مرتضية بوجود الجنود الجاهزين لديها لتنفيذ برامج لم تعد، وأعمال لم تكتمل.
أصبح الطريق مسدوداً لولا هذه الثورة المباركة فقد تجرأت كثير من تلك القيادات على قرارت مصيرية سواء بالجمود أو التفلت واتخذت قرارات مصيرية، وحوادث مفصلية اتخذها أفراد قلائل من قادتها لم يعمل فيها بالشورى، وغامروا بتاريخ تنظيماتهم وسمعة أحزابهم.
فعلت الثورة فعلها وفتحت أجواء الحرية، وقضت على الاستبداد، ولهذا فالحاجة أن تراجع تلك التنظيمات نفسها لتواكب الثورة وتنتقل من صنع الجندي المطيع الى المواطن الحر، وتعود إلى أصلها الطبيعي لتعمل في أجواء الحرية وتبني مؤسساتها لتساهم في بناء رجال الدولة فحاجة المجتمع المدني إلى الأحزاب شئ حضاري لان البديل عن ذلك هو القبلية والجهوية والمحاصصة التي تقسم البلاد وتفتتها فهل يستقيم الحزبيون بعد أن صنع لهم الثوار الحرية ليكملوا المشوار أم تصحبهم ثقافة الأزمة؟
وحتى لا أكون مستبداً يفرض رأيه على الجنود فأني أترك استخراج الأراء يأتي عبر الحوار والشورى لتخرج الأعمال بحلتها الجديدة التي تناسب أجواء الحرية، وصنع المواطن الصالح.
مصطفى الرعيض
No comments:
Post a Comment