مابين سخرية التاريخ والمجلس الإنتقالي
إنلم يكن "الهوني" فـ " أحمد ابراهيم الفقيه"
-1-
الواقع غير المستقر يخون حيناً ولا يساندانبهارنا به، يموج بملابسات قد لا تبعث إلى الإطمئنان إليه، قد تختفي فيه العلاقةبين الإختلاف والإلتئام العقلاني أما من يغفل عنه فقد يحيله إلى اسطورة، أو إلىفتوحات وهمية اكثر مما هي آمال قابلة للتحقيق ، هذه الفرضية يدركها المرء إذاأتاها من بابها، أي بالإكتراث- قبلاً- بفكرة قوانين المجتمع بطريقة تخضع للمحاجةالنقدية. سمةُ هذا الواقع أنّه ليس مرشحاً أن يظل هكذا.
وبحسب ميلنا لما نريد، قد لا نرحب بأنّالواقع قد تسكنه لحظات تعيسة ومؤلمة ، فقد نمجد الحرية كل يوم ونغتالها في ذاتاليوم فنسأم العالم الذي نعيش فيه فنفقد تبعاً لذلك عفوية الاتصال الوثيق بالتاريخوتزداد حيرتنا اتساعاً فنلجأ مضطرين لعصبية فئوية تبعاً لدوافع معينة لنحتمي بها فيشوبهاجس المطامح والمطامع، ويطفو على السطح ظاهرة المرشح " النجم" الإعلاميأو الخبيرواتي.
تنطبق هذه الملاحظة على المرحلة التاريخيةالحساسة التي تمر بها هذه البلاد الباحثة عن سؤال الديمقراطية وعن هوية جديدة ،وهي مرحلة من مراحل انواع تفاوت القرارات وتقرير المصير وفهم الدّرس السابق الذيفاق جبروته الوصف وقبول مسؤولية الإجابة عن أسئلته التي نسينا أن نسأل عندما كانالمواطن يموت غماً ويعاني بؤساً ويشقى دهراً. وهي مرحلة -شأنها شأن أي تغير جذري-ليست إلا ضرباً من ضروب التعاقد الإجتماعي بين مستقبل البلاد وبين المواطن الذيينتظر شوقاً للولوج في المستقبل دون أن يكون معلقاً في الهواء السحيق على غرارالعقود الماضية. كذلك من جهة أخرى فإنّ أية مرحلة تاريخية تحمل معها قوانين فهمها التي يختلف حولهاالكثير اختلافاً قد يعطىء نتائج جيدة إذا كان كل الناس يشاركون في النقاش السياسيحوله دون وجل أو خوف كمؤشر على مستوى رقي المجتمع الذي تعيش فيه.
في هذا السياق يكون السؤال هو أحد مظاهرالتعبير الإنساني عن هذا التشارك وخاصة عندما يكون النقاش بين الناس العاديينالبسطاء وليس النخب الثقافية واكثرهم من الفهلويين ذوي القدرة على مسك العصا منالنصف. يطرح هذا المستوى عدة تساؤلات مندرجة في هذه المعطى قد لا تغير من الواقعالقائم بل تُبتخس ، غير أنّ المسألة ليست بهذه البساطة، فلا تعبير انساني بمعزل عنالخلاف والشك والنقد و الإحتجاج.
-2-
منيضل سكة البلد لايصل:
أما الاسئلة المندرجة في هذه الزحمةالمتوارية من النقد في عقولنا فهي ليست من المجردات الوهمية أو الشموليات المطلقة، بل أسئلة ملموسة تشرئب – في تصوري- فيعقل معظم متابعي هذه المرحلة في قلق متواصل وحوار باطني، فالثورة منذ لحظتهاالأولى استردت - فجاءة- انسانية الإنسان الليبي ، وتعلق بها كلّ الأحرار في العالموبكل الحماس، ابتسمت بكبرياء في وجه المستبد لتصنع مصيراً مغايراً لهذا البلد، لكنحكايتها لم تنتهِ بعد حيث الواقع غير المستقر لا نستطيع أن نخضعه لفكرة سياسيةمسبقة، بل يمكن مشاكسته بالسؤال ، ومقارعة الحجة بالحجة ، فإذا كانت ثورة شباب 17فبراير هي عنوان يقظة هذا البلد على التاريخ والحياة وبناء الدولة ، فهل يستطيعأحد أن يقفز على هذا الواقع ليصوغه حسب اهوائه؟
هذا الواقع إما أن ننظر اليه بالقبول الواعيبه ، وتفجير الأسئلة حوله ، أو نستهزيء به وبقوانينه ونتركه يفلت من بين ايدينا ليرتميفي مخازن المتسلقين ليعيد التاريخ المنصرم سيرته الأولى ، والسؤال احياناً لا يطيقالإنتظار ، وقد يلتبس مع الريب والتمرد والتمرد هو صنيع المحاجة والإختلاف :
- كيف يمكن للمجلس الإنتقالي ان يستوعب مكتسبات الثورة الميدانية – والتي لم يساهمفيها اصلاً- وكيف يعي حجم الثمن الذي دفعه الثوار في سبيل ليبيا الحرة فعلياً وليسوثباً انشائياً أو فضائياً بدأنا نسرف في التماهي معه بمعزل عن الواقع وهو اسرافيجعل فيه المرء وبالذات شبه المثقف يبحث عن نوع من البطولة الذي يغرم بالتشبث به وبالسلطة والموقع الخادع.
- وبالطبع لايستطيع أحد أن ينكر مدى حجم المهام المنوط بها المجلس ، ومدى ثقل هذهالأمانة ، ومدى السعي الدّؤوب نحو الإنتقال بالبلاد إلى ضفاف الإستقرار والبدء فيمشروع بناء الدولة والمجتمع المدني والرقي الإجتماعي، غير أنّه ثمة التباسات داخلالمجلس تتعلق حصرياً في زواية اختياره لممثليه ومستشاريه وبعض اقرانه الآخرين ،وهي التباسات لا تخطئها المرئيات الحسية ولا تحتاج إلى برهان عقلي . بل لا أحديقلل من شان تباين الإتجاهات في مسائل أخرى متعددة لم يحن موعد نقدها بعد ، كذلكلا ثمة احد يستبعد حسن النيات في قضايا اخرى هامة ، غير أنّ واقع اختيار المجلسلبعض عناصره يباغت المواطن ويجرجر خلفه الكثير من الأسئلة:
-3-
البلديريد من يخلد الحرية لا زعماء يخلدهم تاريخ يكتبه مزورون:
- إذا كان هذا البلد يسعىنحو مستقبل مغاير لما كان عليه لعقود طويلة، مستقبل يريد ان يملك فيه البلد ذاتهوالفرد حرية تقرير المصير فيه ، فلماذا المجلس يلوّن الثّورة حسب اوضاعه الخاصةوعلاقاته العشائرية، وينسى الفارق بين الموقف فيما يختار وبين موقف الثورة العفويالذي ليس فيه التباس بين الحرية والتآمر.
- فكيف يمكن لأحدٍ أن يُعينمستبداً في موقع يمثل ليبيا عربياً ودولياً ، وكيف يستقيم أن يُعين مستشاراًإعلامياً للثورة في الجامعة العربية علماً بأنّه ساهم على نحو خطير في نفخ طاغيةحسب منطق ثقافة الإستبداد؟ ما الذي دفع المجلس إلى تعيين " الفقيه"مندوباً لليبيا الثورة في الجامعة العربية؟
- فالروائي " المبدع" والأديب الليبي" أحمد ابراهيم الفقيه" يغيب عن وعي هذا المجلس الوقور بأنّه لم يتقدميوماً – إذ كان في مقدوره- صفوف المحتجينوالمعارضين قائلاً لا للطاغية ولإستبداده ومنطق دبابته واغتصابه للسلطة وتعسفهالبغيض ولكنّه آثر أن يقول في "قائده" القذافي تحت ظلال البنديرةالخضراء وبإعتزاز كمن يعلق الدّر في عنق الخنزير: ( النقل هنا حرفيا من التذييلالذي نشره فيما بعد على موقع اللجان الثورية)
"القائد معمر القذافي حالم كبير، ولا شك أنحلمه هو الذي قاده إلى إبداع النظرية الجماهيرية، التي أصبحت واقعا يعيشهويمارسه ملايين الناس. واذا كان القائد قد استخدم حسه العملي، ووعيهالتاريخي، وجملة المعارف والخبرات التي اكتسبها، من أجل تحقيق هذا الحلم، فما الذييمكن أن يضيفه مفكر له هذه التجربة إلى فن القصة الذي يعتمد أول مايعتمد على الخيال؟ " ثمّ أنه بعد وصفالطاغية الجلاد الذي يشير إليه بلقب " القائد" وهو اللقب المحبب لديه ،بـ " الحالم الكبير" ، الذي قاده حلمه إلى " إبداع النظريةالجماهيرية ، التي اصبحت واقعاً يعيشه ويمارسه ملايين الناس" ، يعود في شغفٍليسخر قدراته التعبيرية المتميزة لكيل المديح لقائده وقد وقف ذاهلاً أمام هذهالمباهج فيقول ( والنقل حرفياً):
"لقد مر وقت طويل قبل أن أعرف أنهاتين القصتين هما من تأليف قائد الثورة. كنت قد قرأتهما، ووقفتذاهلاً أمام هذا الإبداع الجديد الذي يمتلئ بشحنات انفعالية غاضبة،وهذه الصياغة المتميزة التي تجعل من الغضب طاقة هائلة قادرة على تفجير اللغة،لإعادة ترتيب الواقع، وتوظيف"التقنية" الفنية توظيفا بارعا من أجلالوصول إلى معالجة قصصية تشحن الوجدان، و تعبئ المشاعر، وتفيء المناطقالغامضة في النفس البشرية. من أين لموهبة جديدة في كتابة القصة أن تحقق منذالبداية هذا المستوى الرفيع في الأداء و(التقنية)؟ "
غير أنّ الإنذهال عينه لم يقف عند هذاالحد فقد أخذ سكر اليراع يطرز من فيض المعاني الصاخبة، فيقول:
"ولم تنته حيرتي إلا بعد أن عرفت أن كاتب هاتين القصتين ليسإلا قائد الثورة نفسه، فهو قبل أن يكون مفكرا وقائدا ورجلثورة، إنما هو كاتب بارع، ومبدع له القدرة على تطويعملكاته التعبيرية، والاستفادة من الأشكال الإبداعية التي تستجيب للأفكاروالانفعالات والتأملات التي يريد تقديمها للناس عن طريق هذه الوسائط الأدبية. إنميدان الكتابة الإبداعية الذي يستلهم أفكاره ونماذجه من تركيبة قوامها الواقعوالتاريخ والخيال، سيكون أكثر ثراء عندما يجد أن واحدا من صانعي التاريخ،قد اختار هذا الشكل الأدبي، وهو القصة القصيرة، ليكون وسيلته لمخاطبة القراء. "وهكذا تلاحقت الألقاب والأوصاف " وحتى هذه اللحظة فقد أسبغ على قائدهألقاب وأوصاف "قائد الثورة، والحالم الكبير، ومبدع النظرية التي أصبحت واقعايعيشه الملايين، وكذلك المفكر، ورجل ثورة، وكاتب بارع ومبدع "
ثم يعودويضيف عن الطاغية بسريرة مطمئنة وبإفتنان يسري في مسرات النفاق :
"وأول ما نلاحظه ونحن نقرأ هذا العطاء الفني، أن القائدمعمر القذافي عندما جاء يكتب القصة، لم يكتبها مستخدما القوالب القديمة، ولميعتمد الشكل التقليدي المتوارث، الذي يطالب بان يكون للقصة حدث مركزي رئيسي، و أنيكون لها بداية ووسط ونهاية، بكل ما يرافق تلك الطريقة التقليدية من أسلوب تقريري،وتتابع تراتبي منطقي للأحداث، واهتمام بالوصف الخارجي. لقد اختار القائدمعمر القذافي أن يكتب قصة تنتمي إلى قصة الحداثة، وأن يستخدم"تقنية"فنية متطورة، وأن يستفيد من آخر إنجازات التعبير القصصى، وبمثل ما هو قائدثوري يمتلئ بهاجس تحطيم القوالب القديمة، وتجاوز الأطروحات التقليدية فيالفكر والممارسة، فهو أيضا كاتب مسكون بهاجس الابتكار والتجديد،والبحث عن بدائل جديدة للصياغات الفنية العتيقة. ولذلك فقد جاء يكتب قصة قصيرةتعبر عن هذا التوق الدائم الى التجديد، قصة تطمح في أن تكون وعاء يفيض بأعمق مافي الشعور من وميض ونبض وضؤ وظل، وتسعى إلى طرح أكثر الأسئلة اتصالا بجوهر الوجودالإنسان، تستخدم اللغة استخداما حديثا عامرا بالتوتر والتحفز، تعتني بتقديمالعبارة الشاعرية، والجملة القصيرة، وتهتم بتصوير العالم الداخلي للإنسان. وأخيراً.. فإن ما توفر لهاتين القصتينمن عمق التحليل، والقدرة على سبر أغوار النفس البشرية، والسيطرةعلى"التقنية" الفنية، وصدق وحرارة الانفعال أثناء الكتابة، يجعلها من الأعمالالإبداعية التي تحقق لقارئها المتعة الروحية، وتفيء له جوانب من حياته، وتحركفي نفسه رغبة صادقة لتجاوز سلبيات الواقع شوقاً إلى معانقة الأبهى والأجمل فيالحياة. وتلك هي أعظم رسالة يقدمها لنا الفن". فيما بعد تحوّل إلى "السمسار الأدبي الرسمي للقذافي حيث أوكل إليه مهمة شراء ذمم المثقفين والأدباءلكتابة الدراسات والبحوث عن أدب القذافي وفكره" ( أنس بيطار).
هذا شيء يسير مما كتبه" أحمد ابراهيم الفقيه " عن الطاغية الذي يقول عنه الآن - مستهجناًذهنية وذكاء الإنسان الليبي – وعلى نحو مريب: " فقد حقق لنفسه ( أي القذافي) بجدارة مركزاً ومكانة في تاريخ الطغاةوسيفتخر الليبيون بأنهم اطاحوا برجل يعد من عتاة عظماء الطغاة في التاريخالبشري" وذلك في مقابلة له حديثاً على موقع "عين نيوز" ( 4 منسبتمبر 2011) باعتباره " عضو الوفد الليبي بالجامعة العربية" بعنوان" اسرار خطيرة لم يعرفها الكثيرون عن القذافي" في شاهدة واضحة على مدىتطرف هذا الإستهجان، وإلى أي مدى تظهر نبرة المنتمي الزائفة للثورة وانحيازه لها والتي – سبحان مغير الأحوال- غدا يتغنى بها ليل نهار اسخفافاً بعقول النّاس . لماذا لم يبح – بحق ليبيا- بهذهالأسرار- والتي لا تغني ولا تسمن من جوع أصلاً- قبل ثورة 17 فبراير على الأقل منباب الزينة أو حتى باب الكناية بـ" ابداعات" القذافي.
ومن طريفالأمر وفي مقابلة مع صحيفة " الشرق الأوسط" بتاريخ 20 سبتمبر يقول عنقائده الطاغية" القذافي جاء يركب دبابة وعاش بالدبابة والسلاح واغتصبالسلطة اغتصاباً واحتفظ بها مدة 42 عاماً بالقوة والرعب والإجرام والقتل"
وهكذافالذي استماله الطاغية العاتية وادخله حظيرته في سهولة واضحة ليصبح بوقاً له،ينقلب عليه بعد ثورة 17 فبراير ويقول فيه ما قاله مالك في الخمر. فهل المجلس يجهل هذا الأمر أو يتجاهله ؟ فإنكان الحال هو الأول فتلك طامة معرفية كبرى وانتهاك لجوهر امانة المسؤلية ، وإن كانالشأن هو الثّاني فذلك جرم مشين وتقليل متعمد من شأن الثّائر الميداني وإرادتهالحية، هذه المفارقة تسدعي اسئلة اكثر .
- هل يغفل المجلس عن أنّ من يقترف هذاالإثم إنما هو قد قام فعلياً بخذلان الجماهير اذ تقع على عاتقه –باعتباره منالنخبة المثقفة- تنبه الجماهير إلى مواطن الخطر وتقودها إلى تجاوزه ..... فقد سوّغلهم الطاغية ولمّع صورته عندهم .. ثم ماذا كان يفعل الأديب والمثقف الذي عينوهاليوم مستشارا ثقافياً يمثل الثوار عندما كتب تلك السطور المشينة .... فالأمر لايعدو واحدة من إثناتين إما أنه رجل صادق أمين كان يعني ما يقول في وصفه للقذافيبأنه "قائد ثورة ومبدع وصانع تاريخ" وهو في هذه الحالة لا يستحق شرف الانتماء إلىالثوار ناهيك عن تمثيلهم في المحافل الدولية في نعيم القاهرة، وإما أن يكون كاذباًمنافقاً يسترزق بما حباه الله به من موهبة الكتابة، خذل قومه وغشّهم نظير حظوة عندجلادهم ..... وهو في هذه الحالة شخص لا يؤتمن جانبه ولا يستحق شرف تمثيل الثوار.
- هل يمكن لهذاالمجلس أن يسأل مستشاره من قال هذه الكلمات وأين : " القلم يشعر بالرهبة وهويقارب حياة ومسيرة هذا القائد الأممي التاريخي المرصعة بجلائل الأعمال وحكيمالأقوال والنصوص ويقف العقل حائراً من أين يبدأ في اقتحام هذه القلعلة الإنسانيةالعامرة بالأبراج والقباب العالية والدهات الفسيحة والمؤثثة بثراء الخبراتوالتجارب التي اكتسبها القائد من مسيرة نضالية من أجل الآخرين ...لنحتفل بالعيد الذهبي بالمنجز الإنساني لقائد ثورة الفاتح العظيم الثائر المفكرالأديب الشاعر الحكيم الساسي معمر القذافي" ، وإذا ما فرغ من هذا السؤالهل يمكنه ايضاً أن يسأل المجلس مستشاره – على الأقل – من باب الإطمئنان على هذهالمحاسن وعلى هذا البلد المنهك، من القائل ساعة سنوات الموت المجان: " إنّهجانب العطاء الإبداعي للقائد معمر القذافي، الذي عرفه عالمنا المعاصر مناضلاً وقائداًقومياً وصاحب نظرية في الفكر السياسي والإقتصادي والإجتماعي، الذي نحتفي اليومبمجموعنه القصصية ( القرية القرية .. الأرض الأرض ، وانتحار رائد الفضاء ) ...ولا شك أن مجال الأدب يفخر اليوم بأن يكون من بين مبدعيه قائد تاريخي لهقامة معمر القذافي"؟ إذا لم يتحصل المجلس على اجابة مباشرة وصريحة منمستشاره فليس صعباً من أن يقوم بهذه المهمة شخص آخر.
- فكيف لمن قدّس المستبد القذافي أن يصيرمستشاراً اعلاميا يتبع هذه الثّورة؟ ثمة من خلل، وخلط ، وانخداع عند هذه النخبة ذاتها ، فالمجلس يضيّق من أفقالثّورة المعمدة بالدم فإن لم يكن يستهجن بضحايا الثورة واهاليهم ، أو إن لم يكنيستهجن بتطلعات هذا البلد لمستقبل أفضل، فتراه يختار جزافاً الإنتقائية تركيزاًعلى شوكة العصبية حيث يُغلّب ميوله العشائرية الفئوية على حاجيات الناس التاريخيةوالمستقبلية مستعملاً الواجهات الفضفاضة الزائفة الفضائية بعيداعن منطق الفهمالفطري والأقيسة المعقولة ويصنع ذلك بوعي مغلوط تحت شعارات متذبذبة وأقنعة حداثويةعن التطور والإزدهار والحرية والمواطنة والعدل وتعددية الديمقراطية وحقوق الإنسانوأخوات هذه المفاهيم المتوفرة في كتب "هداية النّاشيئن"، وربوعالموسوعات الإلكترونية .
إنّ المرء لا يقف عند إدراك هذا الواقع إلاإذا أيقن أنّ المؤهلات الذاتية والشهرة الأعلامية لا تكفي لصناعة وطن ، وشاهدة ذلكتكمن في العقود الماضية ، كما لا تكفي الأسماء اللامعة المنتفخة التي كانت تدرك عنكثب مدى حجم الإستباحة والإستبداد والإمتهان لكرامة الإنسان ولابسط حقوقه أن تكونمعياراً لإختيارات المجلس ، بل أثبت الواقع أنّ مثل هذه الأسماء لا تجدي نفعاً ولايعتمد عليها ، بل كانت على انفصام كاملومتعمد مع معاناة هذا البلد، أوليس لناعبرة في مشاهير المثقفين الليبين الذين لم ينحازوا للشعب واختاروا سكينة الصمتوالتأمل كما أختارروا فوق ذلك اتباع اساليب التزلف والتملق للطاغية القذافي علىالنحو الذي اتبعه الروائي الليبي أحمد ابراهيم الفقيه وابدع فيه- كعادته- أيماابداع ؟
ومن السؤال يأتي قرين السؤال : لماذا المجلسيُقدم على اختيارات في تعيينات هنا وهناك، ويحتفظ بسفراء مارقين هنا وهناك، وينتخب مبعوثين سياسيين في محافل دولية وعربيةهنا وهناك ، على أن لا ينبغي بالمطلق الصريح السامي إلا أن يتقبلها الناس بدون منقاشة أو نقد أو تساؤل؟
-3-
إنسألت فلا ترفع أمام عرش المجلس صوتاً:
قد لا يكون من الجائز في هذه الظروف التيتمر بها البلاد أن نبادىء المجلس بالانتقاد ، غير أنّ للمواطن الليبي في هذا البلدانتسابا، وعليه أن يسأل وعليها ( المواطنة) أن تسأل ، وعندما تصدر فرمانات مفصولةعن الأسس المنطقية في هذه المرحلة فينبغي نقدها ، لا مفرّ من ذلك. وإلا، فهل نحنقطاع طرق نبحث عن غنائم أم عن قيم الدمقراطية وقيم حقوق الإنسان والمناهجالعقلانية القادرة على تجاوز هذا التخبط وفوضاه؟
تزاحم الأسئلة حيث لا إجابات ، وحيث أمانيهذا البلد البعيدة:
هل تتمشى سلوكيات المجلس حسب الحاجاتالتاريخية لهذه المرحلة من هذه الزاوية بالذات و تحديداً ، زواية التعييناتالمشبوهة ، وهل في اختياريته ما يُظهر من سياسات عابرة لا طائل من ورائها إلاالنكوص إذ من الواضح البيّن أنّها سلوكيات تعيش واقعاً ينفصل عن المحيط الذي لاتعيش فيه أصلاً أي محيط الثّورة الميداني الذي يُخبر عن لغة النضال الفعلي وليس عنعالم المديح والتملق وعجائبه، وسط العناية المتزايدة بالعناصر ذات الطابعالإستبدادي والإنتهازي .
إنّ انعدام الوعي التاريخي في هذه المسألةبالذات لدى المجلس واتباعه سياسة التسرع والإرتجال والتحيز والمحاباة يؤدي به إلىخيارات تتمحور حول فئة من عناصر ورموز كانت من أهم ركائز صناعة المستبد وطغيانهالأحمق ومن دعائم التمديد الداعمة في عمره على حساب معاناة الإنسان الليبي، عناصرمن المدراء والأمناء والسّفراء والمثقفين هي الآن في وزارات وادارت وسفارات تمثلثورة 17 فبراير في شهادة هزلية تلتبس بالشك وتقلص الحرية كمن يعتز بالغموضوالعدائية لهذا البلد، مثل هذه الخيارات التعسفية المضادة لنبض الشارع ليس منشأنها إلا أن تزرع الشّك في مصداقية العمل السياسي المستقبلي ذاته رغبة في ارضاءقطرات من دموع التماسيح بصكوك غفران لا تخلو من معنى استهجاني في خدمة روع فكرةالسلطة وجبروتها والتجاهل – معاندةً - لمشاعر أسر الشهداء وللمحترقين في بيداءالقتال.
إن إعترتْ بعض الكلمات اسئلة أخرى ، ثمّماذا:
ثمة علاقة خفية بين العبث والجد لا يقف علىسرها إلا هذا الثائر الذي يواجه الموت مرات ومرات ، ارنست تشي غيفارا عبّر عن ذلكفي يسر: " لا يقوم بالثورة إلا شجاع ولا يستغلها إلا انتهازي" ،واستغلال الثورة فيه مساس بحقوق المواطنين وزهوٍ بسطوة العبث ، فإرادة المجلستتعارض مع وجدان الثورة بمنطق القسمة الفئوية ، فالثائر يعتصم ببهاء القتال المخضببالدم القاني من أجل حرية الليبيين ، في لحظة يغدو فيها مدّاح القذافي (أحمدابراهيم الفقيه ) المتنور مسشاراً اعلامياً لهذا الثّائر، ونقيضاً له ، فيدخلالثائر مفازات الحرب وفتك الحرب وساعتها تطول وقد تغدو الايام فيها إلى دهر، وهويظهر أي الثائر في الميدان في بساطة الإنسان الطيب الدرويش رافعاً سلاحه شغفاًلتحرير ليبيا ، ويظهر مستشاره الإعلامي متشحاً بعنجهية ما يتمتع بها الطغاة العتاةمن وسائل التسلط و الإستبداد ، وهكذا يبدو الواقع في تناقضاته.
الثائر يغرس اقدامه عميقة في الأرض ويحلقفوق الرمال متشحاً بهجير البيداء ، والمستشار لم يُسجّل له ساعةً أن وقف يوماًبوجه الظلم والقمع والإستبداد ، ولم تصدر عنه اشارة أو حتى تلميحة عابرة لإدانةنظام ممدوحه القذافي على مرِّ العقود الماضية ، تلميحة واحدة قد تشفع له أمامضميره وهدر هذه السنوات الليبية.
ماتخيل السؤال أنّ الأرض لا تسع إلا دم الثورة:
والسؤال يطارد السؤال ، فمن الذي جعل وساهمفي جعل الطاغية القذافي مارداً أهوجاً ، ألم يتغزل فيه بعض الأمناء حتى أن قال فيهأحدهم أمامه واقفاً في خنوع و في ذلٍ وانكسارٍ في احدى جلسات المؤتمر الشعبي:" أنت فوق البشر جميعاً" ؟ أوليس الإنسان المنافق الذي تنطوي نفسه علىالطغيان والإستبداد لابد وأن يمدح ويمجد الطاغية ويتزلف إليه بكل ما يملك منمهارات ؟
فكيف لمداح هذا الطاغية أن يصير مستشاراًاعلامياً هكذا دفعة واحدة بعيداً عن الإنصاف، بينما كان عنصرا اساسياً – وبامتياز-في تكريس جبروت طاغية جلب إلى هذا البلد شتى انواع البؤس والخراب والدمار والبلاءولم تهتز له ( المستشار) قصبة أو رعشة ضمير يوماً وهو يرى ممدوحه الطاغية يعيثفساداً في البلاد، هل أقدم سيادته أحد الايام على أن يتخذ موقفاً شجاعاً أو حتىنصف موقف وعلناً من نظام القذافي وسنوات السجن تحت الأرض وفوق الأرض والرصاصوالإعتقالات والتعذيب والحديد والنار ونهب المال العام وتبديده لعقود تناوب عليهااللصوص وقطاع الطرق والمتملقين والمقربين حتى قبل ثورة 17 فبراير التي ركب امواجهافي سرعة تفوق سرعة البرق و على نحو يصعب على أعتى المتسلقين التسلق مثله؟
ليقدّم هذا المستشار لهذا البلاد اشارة واحدةتخوله أن يكون مسشاراً لهذا المجلس " البراغماتي". فكيف لمجلسٍ سعيدٍ كهذا ، يرتكب هذه الخطأالملتبس بالزيغ والتيه استخفافاً بعقول النّاس ، بل و مهانةً واستهجاناً لهذاالبلد ولإسر شهدائه ، لا يفطن إلى عظيم جرم هذا المستشار؟ فكيف يا مجلس لمثقف مثلمستشاركم هذا أن ينحاز وعن وعي كامل إلى طاغية " فاق جميع طغاة العالم"، ليستغني به عن بلدٍ عاش – ساعة نشوة المديح- تحت ظلال الرعب وهدر كرامة الإنسانووالموت بالمجان والمقابرالجماعية والجور والتفقير وما لم يخطر على بال بشر.
لميبق من ثروةٍ لهذا البلد إلا الإنسان القادم من رحم الثورة:
إنّ أول ما يلفت النظر – على ضوء سلوكيات المجلسفي هذه الجزئية- في اختياره لعناصرانتهازية ساهمت في صناعة جبروت القذافي، وفي تجاهله الواضح لمشاعر اسر الشهداء والضحايا أنّه يمارس الفهلوة السياسيةالمستعارة من الدكاكين القديمة والتفكير الشريد بمثل هذا الوضوح المفارق للعدل ،فمثلاً لم يكن أحد يتوقع أن يتسلل "الرائد عبدالمنعم الهوني أحد مؤسسيالشرعية الإنقلابية في ليبيا والمشاركين في جريمة هدم الدولة والغاء الدستور ونسفالبرلمان وخيانة علم الإستقلال مجللاً بنزوة الإنقلابي أن يكون عضواً في هذاالمجلس وممثلاً ومندوباً لليبيا في الجامعة العربية؟ أوليس في هذا استخفافاً سلطوياً بذهنية المواطنالليبي وذاكرته التاريخية والجماعية ، أليس في هذا العبث بهلوانية تخرج عن ساحةالمعقول، فالإنقلابي الذي يعبث بالدولة ، لا محالة يحتكر التسلط لنفسه للعبث بمصيرالناس ومقدرات البلد ؟
اليس هذا عينه التخطي لباب العدل والتخطيلاستقلال البلد وكرامته؟ هل يستحق هذا البلد مثل هذه السيادة؟ هل على هذا البلد أنينسى أنّ لا علاقة للانقلابيين بحياة الناس ولا بمؤسسات " المجتمعالمدني" بل بالرق.
هلاعتذر هذا الممثل البارع للمجلس " الوطني" في الجامعة العربية على سوءفعلته وجريمته التي قدّمها للشعب الليبيبخلود العسكري في الإستيلاء على السلطة ، ليقدم لنا المجلس " الوطني"دليلاً واحداً – حتى وإن كان يتيماً- على أن هذا الممثل خبير التنقل بين المعارضةوالطاغية قد قدّم اعتذاراً لهذا البلد فيما جناه عليه من بؤس وشقاء وتخريب؟ فهل" الدّوس" على كرامة الثّوار الفعليين متعة للنفوس يا ايها المجلس ؟
بعدكل هذه الشهور المريرة من الثّورة ، من سيظفر بالسلطة؟
أهكذا تخون الذّاكرة هذا مجلسٌ ولا يتذكربانّ هذا الممثل البارع كان أحد مرتكبي جريمة "الفاتح" بامتياز ، فكيفلمن خان علم الأستقلال دهراً وتمرد عليه بدبابة هوجاء يرفع له التحية الآن ؟ أو يزين به صدره كما يفعل اقرانه المتسلقينالآخرين أو كما فعل زميله في الجريمة "الرائد جلود ، أو من استهجنه سابقاً منالمعارضين الليبيين لأكثر من ربع قرناً ؟؟
ألميتلون عبدالمنعم الهوني ،هذا الممثل فيسالف الأيام وهذه الأيام، بالوان كثيرة لخداع النّاس بقدرة فريدة لا يمتلكها إلامحتال سياسي خبير كيف يستهين ببعض المعارضين، وكيف يستميل الطاغية، فقد كان يخلعويبدل جلده وقلبه وعقله ليلبس جلداً مغايراً اذا وجد من الضروري أن يتغير، أولميتحالف مع المعارضة ومع تحالف "التحالف" ومع خلاص "الخلاص " ،متنقلاً بين القذافي المستبد، وبين المنخدعين فيه وحواريه حسب درجة رطوبة وحرارةالجو السياسي وحسب الكفة الرابحة وحسب الأيام دول، أولم تستدرجه واقرانه تلك البلوناتالفاقعة والإختبارات الصادرة من جهات ودوائر غربية مختلفة على دنو ساعة سقوطالقذافي بداية التسعينات فمال عندها مهرولاً إلى أين تميل أهواء المصلحة والسياسةفأسس آنذاك مع اقرانه " القوى الوطنية الديمقراطية الليبية"، في مؤتمرعُقد في جنيف من 27 نوفمبر إلى 30 نوفمبر من عام 1992، تياراً سياسياً مات في المهد اسمه " هيئةالتنسيق " ضم عدة معارضين "منتخبين" بالصدفة غدا لها الهوني رمزاً قيادياً وملهماً سياسياً وزعيماً" ديمقراطياً" ، ثم طاف به الحنين شوقاً - بعد أن طالب القذافي للتنحي عن السلطة - إلىصحبة المستبد كرة أخرى فعاد اليه خاذلاً اقرانه و"الهيئة"والمعارضة ليتولى فيما بعد وبالتحديد فيسبتمبر عام 2000 منصب مندوب وممثل " ألجماهيرية العظمى" في جامعة الدولالعربية وهو على ما عليه كان يستمر مندوباً، ولسوف يعود- لا قدّر الله – إلى سيرتهالأولى لو قُدّر للطاغية أن يعود .
فمنيميل مع الريح وينحني للعواصف لا يصعب عليه تغيير قناعته والنّط بين اليابسة وبينالماء حسب سعر صرف عملة الإنتهازية. الممثل الإنقلابي مستبد بالضرورة ، بغض النظرعن نواياه الآن وما تكسب يداه ، فهو يسعى إما راكباً دبابة أو راكباً على اكتافالتضحيات الثورية الميدانية وعلى اكتاف الفهلوة والشطارة ، فالمرء الإنتهازي أمامخيارين لا خامس لهما: الخداع والتسلق.
-4-
· لنيستمر هذا البلد مكتظاً بالمرارة ، فالثورة قادرة على الإلهام:
لاريب في أنّ اختيار المجلس لبعض اعضائهومندوبيه ومستشاريه وترك سفراء القذافي الإنتهازيين على ماعليه بحجة"الإنشقاق" السمجة ، يظهر مفصولاً تماماً عن واقع هذه الثورة وعن ثمنتضحياتها ، فهل من الممكن لمن رسم للقذافي صورة خيالية وعالماً خرافياً يزيدهغروراً وبطشاً ، ولمن دافع عن القذافي في المحافل الدولية والعربية والسفاراتالمتناثرة ، ولمن ينقسم على ذاته بين ولاءين ، ولاء للطاغية وولاء لثورة 17 فبرايرفهل يمكن يكون أميناً على الثّورة؟
إنّهذا النمط من الإختيارات ينم عن استهجان بدم ضحايا هذه الثورة والإنتقاص من قدرهاوقيمتها، فهل بوسع هذا الإستهجان أن يخلق ثقافة ديمقراطية متنورة وعادلة؟ هل أضحىالأمر مثل " الزحف الأخضر" ، أي حالة خاصة لا تمثل إلا مجموعة تربطهاعلاقات عشائرية وصلات سياسية قديمة ، فهل ضلّ المجلس مسار الثورة الأولي في نقائهوعفويته وتضحياته أو أنّه لم يعد يفهمه، أي يفهم اهداف هذا المسار؟
ما تزال الثورة قادرة على الإلهام رغمالصعاب ، ولازال صناع الثورة الحقيقيينيعرفون إنّ نصاب بناء الهوية والوطن والدولة، ليس هو نصاب التسلق والتملق والتزويروالخداع وفهلوة الكلام في الفضائيات . الثورة هذه مثل النهر المتدفق ، سوف تواصلتدفقها ، فهي ليست منّة عسكرية في انقلاب عسكري. لا ينبغي الغرور بهذا السرابالإعلامي المبتذل وعدم رؤية هذا الإنفصام الواقعي ، إنّ هذا اللجؤ المؤقت للسراب الختالليس له علاقة بالثّورة ، والسراب ببطن البيد - في كل الأحوال - ختال.
أوليس الحكم على الظاهر قد يكون مضللاً لإنّهغالباً يناقض الواقع الملموس؟ أوليس من المستهجن التلاعب بالفاظ مثل " المنشقعلى النظام" للبرهنة على ما ليس أصلاً له برهنة إذ لا يخضع للمنطق والمحكالتجريبي ولا يمكن برهنته إلا في تخيلات الذين لم يتعرضوا أصلاً لبطش القذافي ولميطلهم حقاً استبداد القذافي وبطش وجبروت اعوانه وانانية واستعلاء عناصر نظامه وزيف وتزوير مثقفيه؟
إنّ فكرة القبول بصانعٍ لمستبدٍ متكبر يكمنفيه تزويراً لإرادة وصوت الناس، فالذي كان يمسك بزمام الحكم في ليبيا لم يكن طاغيةوحسب بل كان في حقيقة الأمر تعساً يعيش حالات من الرعب والهلع، غير انّ لا أحديفوق تعاسة المستبد إلا من يقدم على مدحه ورفعه في اعالي السماء بضمير مطمئن ، أومن يتجاهل ذلكويخادع ضميره، وكذا من يستهجن تاريخ معاناة هذا البلد في قبو "جماهيرية" الطاغية.
فهلسيقود هذا التمييز الفئوي الجائر إلى نسف مبدأ تكافؤ الفرص وحبسه عن بقية الناسخارج دائرة مركز دائرة العصبية وما يدور في محيطها ، وهل يعني هذا سقوط مشروعالثورة استرضاءً للتمييز الفئوي؟ وهل ينطلق المجلس في اختيارته بقيمه واعلامهورؤيته المبتسرة ومقاييسه المتحيزة من انغلاقه على ذاته وكأنه فصيل معارض منعزل عنالثورة والناس ونبض الشارع وأسر الشهداء.
وهلانفتاح المجلس على هذه النماذج والعناصر سيغفره الشعب الليبي الذي ذاق مرارة الأسرلإكثر من اربعين عاماً؟ هل يمكن على الإنسان الليبي أن ينسى ما لاقاه من القتلوالتعذيب والسجن والسحل والنفي والتشريد والتعذيب والموت والتهميش والتجهيلوالتفقير والتحقير والتنكيل والعبث ؟ ما أرخص كرامة الإنسان ، وما ابشع ثقافةالتزوير! ويا مجلس السعد ما الداعي لهذه الإختيارات التعسفية؟
-5-
· منيرسم مسار هذه الثورة؟ ومع ذلك يبقى أكثرمن سؤال:
طبعاً هناك اصوات متحمسة تعتقد بأنّ نقدالمجلس غير مفيد وغير مناسب بل ومعيق ولا يخدم المرحلة الراهنة ، فهذ لا اعتراضعليه مطلقاً ، فهو مقبولٌ، مقبول، غير أنّ عليهم أن يبحثوا عن مواقع الخلل وما الذي يجعل الشبابالثائر يغدو على هامش الثورة السياسية بينما يساهم في قيادتها أعتى انصار القذافيواخلصهم له في ترميم صورته في العالم الخارجي والعربي والأفريقي على حساب معاناةهذا البلد لنيف واربعينسنة.
تقدّم الشباب بالثورة من كلّ جهات ليبياوصنعوها صناعة عفوية نقية ومعبدة بالدم ولا زالوا يخضون اشرس المعارك في بقاع شتىمن ليبيا من اجل التحرير الكامل، وها هم الكهلة مخضرمي التسلق و" الزحف الأخضر"ومتكتكي القاعات الخلفية والتنظيمات السياسية المندثرة يلتفون حولها لجنيثمارها والتفرد بها بين عشية وضحاها عبرالمناورات والدسائس والتكتكيات القديمة في ثوبها التكنولوجي الحديث .
أهناك ثمة من مشهد سياسي هزيل مثل هذا المشهد؟هل يدري الناس أن هذا الرهط من الكهلة المخضرمين ليس لديهم الوقت للإنشغالوالإهتمام بالثورة الميدانية ، فجلّ انشغالهم اعلامياً تافهاً يخلو من المعرفةالرزينة ويجدف نحو تحقيق مكاسب ومواقع سياسية جديدة يفرضها واقع البلاد الجديدتمليها عليه مصالحهم الذاتية ومساراتهم السياسية مستقبلاً في سباق "نضالات" عقيمة وفاشلة ولا ينفعها حتى الترقيع.
ما يفعله هؤلاء الجهابذة الأفذاذ الكهلة هو اللّف على الثورة وتوجيه العملالسياسي والتأثير فيه بشتى السبل والمهارات الإعلامية ومهارات المرواغة والدسائسالتي تفننوا فيهاو تمرسوا عليها تمرس الثعابين في تلوين جلودها.
هل سيدفع هذا البلد الثمن مرتين ، مرة تحتسطوة وجبروت القذافي ومرة بعده؟ هل سيُكتب على هذا البلد اللعنة على أن لا تقومفيه "دولة" إلا على القهر والزيف والفهلوة؟ كيف يستقيم أن يجد هذا البلداستقلاله في تقاطع خيوط المواربة مع الأطماع الخارجية والتسلط والتسابق المحمومنحو تقسيم الغنائم السياسية والمادية في لحظة تتزاحم بجثث القتلى ودماء الشهداءواسئلة لا اجابات لها؟
- هل هذه المرة سيكونبوسع أحد أن يتظاهر بأنه لا يرى فهلوة سياسية تتطاير أمامه وابتهاجاً خادعاً للذاتوللآخرين وللسذج وبيداء تشتعل سعيراً ، وكذا وطن ممزق في عراء السياسة؟
- على كل حال ، الثورة تجلٍ رفيع من تجليات كرامةالإنسان ، فكيف تترك هكذا عرضة للاستغلال والطامحين في جني مكتسباتها؟ هل أصبحالمجرى الطبيعي للأشياء مقلوباً في حظرة القبض على المجهول ، وكيف تسنى للمثقفالقدرة على إغماض جفنه عن نزيف وطنه؟
محمد دربي
No comments:
Post a Comment