ردود فعل غاضبة من أبناء المدينة على ادِّعاءات القذافي بأنَّ الإرهابيين هم وراء الثورة في ليبيا
إيكسان رايس
صحيفة الغارديان
ترجمة فضيل المنفي
إنَّها ليْسَتْ رسومَ القَذَّافي الكاريكاتيرية التي تُمَيِّز مدينة درنه الواقِعة على ضفاف البحر المتوَسِّط، ولا الشعارات التي تُهين نظام حُكمِه الذي طال 42 عامًا، والتي يُمكن رؤيتَها في عدَّة مُدُن في شرق البلاد، فيما يسمى بليبيا الحرة، التي وجدت منذ ثورة فبراير/شباط. ولكنَّها الرسائل المخطوطة بشكل منظم باللغة الإنجليزية على الجدران واللوحات الإعلانيَّة التي تُشير بأنَّ مدينة درنه تَخُوض حربَيْن:
الأولى: هي التخلُّص من القذافي، والثانية: التخلُّص من السُّمْعة المتداوَلة بأن المدينة مَوْقِع للتَّطَرُّف الإسلامي.
فإحدى هذه الشِّعارات المخطوطة خارج ميناء المدينة تقول: "نعم للتَّعَدُّدية، ولا للقاعدة"! ولافتة أخرى خارج مسجد الصحابة تقول بِوُضُوح وبِإِصْرار أكثر: "نحن نَرْفضُ أَنْ نُرْبَطَ بالقاعدةِ، أو أي جماعات إرهابيَّة أخرى"، وأولى الحملات التي خيضت في مدينة درنه بقيادة طلبة الجامعة، كانتْ مُوَجَّهةً بوُضُوح إلى الصحافيين الأجانب الذين وَصَلُوا للمدينة بحثًا عن دليلٍ على ادِّعاءات نظام القذافي!
ونظامُ القَذَّافي كثيرًا ما رَدَّد أنَّ الثَّورة الليبيَّة يَتَرَأَّسُها مجموعةٌ من مُقاتلين مِن تنظيم القاعدة، والذين يُريدُون إقامة إمارةٍ إسلاميَّةٍ، وليست مجموعة مُتَعَطِّشة للحُرِّيَّة، وإشارة النظام لمدينة درنه الواقِعة في أقصى الشرق أثارتْ غَضَبَ سُكَّان المدينة.
وقد قال الأستاذ الدكتور عبدالكريم بن طاهر - أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة درنه والعضو بالمجلس المحلي للمدينة "إنَّ القَذَّافي يستخدم القاعدةَ كفَزَّاعة ليُخيفَ الدول الغربيَّة، محاولاً وقْفَ دعم تلك الدول لنا، وربما بطريقة ما قد نَجَح في ذلك، ولكن لا يوجد شيءٌ اسمُه القاعدة في هذه المدينة".
في حين أنَّ زيارةً واحدةً ليوم واحدٍ للمدينة لا تكْفِي للتَّأَكُّد من ذلك، أو لفَهْم حقيقة ودَوافِع وطُمُوحات الناس، ولكن لا يوجَد دليلٌ لافتراض صحَّة كلام بن طاهر!
والصُّعُوبة التي يُواجِهُها سُكَّان مدينة درنه هي أنَّ افتراءات القَذَّافي بُنِيَتْ على تاريخ المدينة في تجنيد مجموعاتٍ إسلاميَّةٍ في السابق، ومن بين مُدُن أخرى في شَرْق ليبيا أَخْرَجَتْ درنه مجموعات تابعةً للجماعة الليبية الإسلامية المقاتِلة، وانطلقتْ هذه الجماعة منَ المُعَسْكَرات التدريبيَّة في أفغانستان أوائل التسعينيَّات، فهي حركة مناهِضة للقذافي بالدرجة الأولى.
والضَّرر الأكبرُ هو أنَّ المعلومات التي ظَهَرَتْ بعد أن كانتْ قُوَّاتُ التحالُف تَقُوم بعَمَليَّاتٍ قُرْب الحُدُود السُّوريَّة مع العراق في سنة 2007 تُفيد بأنَّ السِّجلاَّت أَظْهَرَتْ أنَّ نحو 600 مقاتلٍ أجنبيٍّ كان قد دخَل العراق في السنة الماضية! وَأَظْهَرَت الإحصائيَّاتُ التي قام بها مَرْكزُ مُكافَحَة الإرهاب في وست بوينت في الولايات المتَّحِدة الأمريكيَّة أنَّ مِن بين 440 مقاتلاً أُدْرِجَتْ أسماء مُدُنِهم في القائمة، تَبَيَّن أنَّ 52 مقاتلاً كانوا من مدينة درنه، وهذا العددُ يُعتبر هو الأعلى من بين جميع المُدُن المُدرَجة في القائمة، ومِن ناحيةِ مُقارنةِ عَدَد الأفراد، فالإحصائيَّة كانتْ مُثيرةً للاستغراب؛ حيث إنَّ مدينة درنه والتي يبلغُ عَدَدُ سُكَّانها 100.000 أَخْرَجَتْ 52 مقاتلاً! بينما عاصمة المملكة السعودية "الرياض"، والتي يبلغ تَعْدَاد سُكَّانِها عِدَّة ملايين كان عددُ المقاتلين الذين خرجوا منها 51 مقاتلاً! بالإضافة إلى أنَّ المقاتلين الليبيين كانوا الأكثر حرارة، حيث إن 85 % منهم كانتْ رغبتُهم القيامَ بعَمَلياتٍ انتحاريَّة، ولم يُنكِرْ سُكَّان مدينة درنه أنَّ عددًا منَ الشباب الذين رجعوا بعد أن كانوا يُقاتلون في أفغانستان والعراق، هم ألان يُقاتِلون بجانب الثُّوَّار!
وصرَّح محمد المسوري - أستاذ الطاقة الميكانيكيَّة، والمُدير التَّنفيذي للمجلس العسكري التابع للمجلس المحلِّي لمدينة درنه، والذي يُديرُه شخصيات علمانيَّة - بأنَّ "الناس رأوا ماذا حدث في فِلَسْطين، وكيف كانتِ الولاياتُ المتحدة الأمريكية تُدَعّم الأنظمة القمْعِيَّة، ولذلك حينما رَأَوُا الولايات المتَّحدة الأمريكية في بلَدٍ مُسلمٍ - مثل العراق - أصبح لديهم سببٌ كافٍ يَدْعُوهم للجهاد، ولكن هذا لا يَعْنِي أنَّهُم مِن مُناصِري ابن لادن".
ومن نافلة القول: أن مشاعر السخْطِ على الغرْبِ مُنتشرةٌ في جميع أنحاء الوطن العربي، فلماذا يبحث الشبابُ من مدينة درنه - على وجْهِ الخصوص - عن الاستشهاد؟
والإجابة عن هذا التساؤُل ليستْ بالأمر اليسير، فقد تكون المدينةُ أكثر تديُّنًا مِن أيِّ مدينةٍ أخرى في ليبيا، ولكن أهلَها مُعتدلون.
فكثيرٌ من الناس يَرَوْنَ أنَّ التَّطَرُّف إنْ وُجِد في مكان ما فليس بالضرورة أن يكونَ مُتَعَلِّقًا بالدِّين مباشرة، ولكن التَّطَرُّف يرتبط ارتباطًا كبيرًا بظُلْم القذافي، وتعمُّده إهمال هذه المدينة!
وعَبَّر عن مدى إهمال القذافي وبيان هذه الحقيقة فرج الفيتوري - البالغ من العمر 34 عامًا حيث قال: "لا توجَد فُرَص عمَل للشباب ولا مال، والعديد منهم في السجون، وقد وصل الناسُ لمرحلة اليأس، فلا يوجد مُستَقبل لأهل درنه تحت حُكم القَذَّافي، لهذا بدأتْ تُراوِدُهم أفكار مُتنوعة".
وقال آخرون:"إنَّ القَذَّافي كان من أكبر الداعمين للمُنَظَّمات الإرهابيَّة في إبان الثمانينيَّات والتسعينيَّات، وشَجَّع الشباب من مدينة درنه على الالْتِحاق بالجهاد؛ حيث ساعَدَهُم في الحُصُول على وثائق السفر"، نعم لا توجد هناك إثباتات على ذلك، ولكن ما هو مُؤَكَّد - حسب رواية كبار المدينة - أن درنه كثيرًا ما كانتْ مُعارضة لنظام القذافي منذ عام 1970؛ أي بعد انقلاب القذافي بعام، ونتيجة لذلك أصبحت المدينة معاقبة ومُهَمَّشَة دائمًا.
وإذا ما قارَنَّا مدينة درنه بباقي مُدُن ليبيا فرغم جمال موقعها - حيث تقَع بين البحر المتوسط والجبل الأخضر - فإنَّ المباني السكَنيَّة والمنشئات الحكومية تبدو في حالة رثَّةٍ، إضافة إلى أنَّ مياه المجارى تَتَسَرَّب في شوارع المدينة الرئيسة.
وفي مسجد الصحابة أحد المباني القليلة التي تبدو في حالةٍ جيدةٍ، تَمَّ دفْنُ الشُّهَداء الذين لقوا حتفَهُم على يد نظام القذافي في ضريح تَمَّ إنشاؤُه خصيصًا لهم داخل مقبرة الصحابة، وداخل المسجد يوجد صور الخمس المتظاهرين الذين استشهدوا في ثورة 17 فبراير حينما انتفضت المدينة ضد نظام القذافي، وعُلِّقَتْ صُوَرٌ أخرى ترجع لمنتصف التسعينيَّات لسُجَناء سياسيين من مدينة درنه لَقَوْا حتْفَهُم ضمن مذبحة أبو سليم.
وجدير بالذكر أنه في التسعينيَّات أيضًا قامتْ كتائب القذافي بتفتيش مدينة درنه منْزلاً منْزلاً بحثًا عن الجماعات الإسلامية المقاتِلة.
ويعبِّر عطيَّة المنصوري - البالِغ مِن العمر 60 عامًا، والذي شغل منْصِب مُلازم أول حينما سجن من عام 1975 إلى 1988 بتهمة مُحاوَلة انْقِلاب - عن مدى سُوء حُكْم القذافي قائلاً: "لا توجد أية مشكلةٍ لدرنة مع أي أحد في العالم، إلا القذافي"!
وحينما سُئِل عنْ رغْبَتِهم في إقامة إمارة إسلاميَّة في المدينة، صرَخَ صديقُه عبدالوهاب - الذي يعمل مدَرِّسًا، والبالغ من العمر57 عامًا قائلاً: "لا، لا، نحن نريد الحرية والديمقراطية، والقاعدة بالنسبة لنا هُراء".
وفي مُحاوَلةٍ لإثبات العلاقة بين الثُّوَّار والقاعدة، أشار القذافي إلى أنَّ أحَد سُكَّان المدينة، والذي يُدعى عبدالحكيم الحصادي - المقاتل السابق في أفغانستان قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر - حيث تَمَّ القبضُ عليه مِن قِبَل القوات الأمريكية وسجنُه لعدة أشهر، وحاليًّا هو الذي يُدير مجموعةً مِن الثُّوَّار المتواجدين بالجبهة في أجدابيا، وغرب مدينة مصراتة، وعلى جانب آخر فالحصادي يُنكِر أيَّة علاقة تربطه بالقاعدة، والناس في المدينة يقولون عنه: إنَّه مُجَرَّد ثائر لَدَيه المهارات التي تُمَكِّنُه من قيادة هذه المجموعات!
وعلق بن طاهر - أستاذ اللغة الإنجليزية - قائلاً: "هو أحد أصدقائي المقربين، وليس بالشخص الخطير على الإطلاق".
No comments:
Post a Comment