لعلها المرة الأولى التي أشعر فيها بأنني متحرر في كتاباتي من كل القيود، وأخاطب رئيس المكتب التنفيذي المؤقت كما أخاطب المواطن العادي دون البحث عن المصطلحات والعبارات المنمقة ها أنا أخاطبك كمواطن ليبي..ليس كما عرفتك منذ أن كنت أمين لمجلس التخطيط الوطني والتي لم تستمر فيه طويلا واعتذرت مبكرا بعد أن اصطدمت أفكارك وقناعاتك بالواقع وذهبت إدراج الرياح حيث كنت تتحدث باستياء شديد عن تلك التجربة. حينها كتبت مقالة بعنوان (وأعتذر جبريل عن الأمانة) بتاريخ 14/3/2009م. وكانت فرصة لصب غضبي على ما يسمى أكذوبة سلطة الشعب،
امتداد المقالة بصحيفة الوطن الليبية http://www.alwatan-libya.com/more.asp?ThisID=4473&ThisCat=22 أو كحديثنا عندما كنت مدير عام لمجلس التطوير الاقتصادي الذي قدم العديد من الدراسات والبحوث حول تنظيم الدولة وتطويرها إداريا واقتصادها وذهبت هي الأخرى إلى المجهول، حيث كنت شاهدا ذات ليلة على بعض التدخلات الصارخة من قبل بعض رجال اللانظام السابق..ومازالت صرختك في وجه معتوق في الذاكرة حيث قلت له "اتفقوا أولا، أنت وسيف والبغدادي وتعالوا فأنا رجل فني لا تدخلوني في صراعاتكم الشخصية" واعتذرت أيضا عن إدارة ذلك المجلس واكتفيت بالبقاء كمستشار..ولكن أخاطبك هذه المرة بعد أن قال القدر كلمته لتكون أنت والسيد مصطفي عبد الجليل وبعض الثوار الآخرين في طليعة ذلك العمل العظيم الذي كانت بدايته احتجاجات ومظاهرات سلمية في المنطقة الشرقية وتحولت بإرادة الله إلى ثورة شعبية عارمة اجتاحت كل أجزاء ليبيا لتقتلع بفعلها أعتى فراعنة الاستبداد والعبودية في هذا العصر.
نعم، لا أريد القول بأن ما فعلتموه كان واجبكم الوطني فقط، بل أقول ومعي كل الشرفاء الذين لا ينكرون الجميل أن ما قدمتموه بالإضافة إلى كونه واجب فهو جاء في الوقت الحرج الذي لولا جهدكم وتعبكم وحنكتكم السياسية لما أعترف العالم بهذه الثورة وقدم لها كل الدعم الذي بدونه لما كان شعب أسمه الشعب الليبي، كما أننا نقدر ما تعرضتم إليه في بداية تلك المرحلة من تهديد ووعيد وإحباط نفسي وخوف طيلة الشهور الماضية ونعرف بأنه لا يقل عن ما يقدمه الثور في معاركهم المفروضة على الأرض، وهو ما جعلكم في أعلى مستويات الاحترام والتقدير من كل الليبيين وهو الذي أعطاكم الشرعية لقيادة هذه المرحلة.
سيادة الدكتور محمود جبريل باعتبار أننا بعد ساعات أو أيام قليلة سندخل مرحلة جديدة كانت قد تعطلت منذ عقود، من خلال تشكيلكم لوزارة المرحلة الانتقالية ذلك الشرف الذي خصكم به المجلس الوطني الانتقالي المؤقت حسب ما نص عليه الإعلان الدستوري.
وفي الوقت الذي تطالعنا فيه وسائل الإعلام بقائمة من الوزارات بعدد (36) فهل هي نتاج رؤيتكم أو قناعتكم الشخصية؟..فإذا كانت كذلك فاسمح لي بالقول أنك لست كما تعودناك في إدارة الأزمة على المستوى الخارجي، ولم تكن صائب في طرحك لهذه القائمة من حيث هذا العدد لمرحلة قصيرة ثمانية أشهر فقط. فأنت من البداية سوف تكون أمام جملة من الحقائق التي يصعب التعامل معها وهي:
· سوف تتعامل مع 36 وزيرا تنقصهم الخبرة الإدارية والفنية.
· ستحتاج إلى 36 مقرا إداريا مجهزا تجهيزا كاملا في طرابلس.
· ستحتاج إلى عدد 36 أو أكثر من البيوت أو مقر لإقامة الوزراء بالمدينة.
· ستحتاج إلى اختيار عدد 36 وكيل وزارة وسكرتير وسائق.
· ستحتاج إلى أضعاف هذا العدد من السيارات الوزارية.
· ستحتاج إلى ميزانيات تسييرية ضخمة لإدارة هذه الوزارات.
· ستواجه المصاعب الجمة في تجميع هذا العدد من حيث المواصلات والإقامة وحتى طاولة الاجتماعات التي تسعهم.
· وستتحمل مسؤولية 36 وزارة فاشلة ومتعذرة لعدم وجود الإمكانيات.
· وستتلقي العديد من الشكاوي من جراء الصراع عن المقرات والمكاتب والإدارات وغيرها.
وتكون بهذا العدد الضخم من الوزارات قد قضيت على كل الهيئات والمؤسسات والمصالح القائمة بالنقل أو الدمج أو الإلغاء بعد أن تتغير اختصاصاتها أو تبعيتها.
كنا نتوقع أن يتم اقتراح عدد محدود من الوزارات المهمة التي تمثل سيادة الدولة مثل الخارجية والدفاع والنفط والمالية، وبعض الوزارات التي لها علاقة بالشأن الداخلي للدولة مثل وزارة البلديات والداخلية والتعليم والصحة وإعادة الأعمار ووزارة تهتم بأسر الشهداء والمفقودين..وبقية القطاعات تدار بهيئات ومؤسسات مركزية تابعة لرئاسة الوزراء مباشرة. ويترك ما يتعلق بالشؤون المحلية وخدمات المواطنين ومكونات المجتمع المدني للمحليات فهي الأدرى بأحوالها والأقدر على التجاوب مع متطلباتها والإيفاء باحتياجاتها في شكل دولة منظم ترسم السياسات وتوجه التنفيذ وتراقب المؤشرات، تاركة إلى مواطنيها أصحاب الشأن القيام بشؤونهم بكيفية منظمة تحت رعايتها وإشرافها. فلكم في الحكم المحلي حياة يا أولي الألباب، الذي سارع الثوار الى تأسيسه دون انتظار طول تدخلكم بتنظيمه. فهذا كل ما نتمناه قبل فوات الأوان...
No comments:
Post a Comment