بقلمد. محمد المدني
قبلالدخول في صلب الموضوع، اسمحوا لي أن أوضح هذا المصطلح ومتى ظهر حتى أصبح تعبير يطلقعند تشابه الحالات، فالطابور الخامس هو تعبير ظهر لأول مرة خلال الحرب الأهليةالأسبانية (1936م – 1939م)، عندما كان (فرانكو) يهاجم قوات الجمهورية المحاصرة داخلالعاصمة مدريد بأربعة طوابير أو أربعة جيوش عسكرية، فتشكل طابور خامس داخل المدينة وكان سري،مؤلف من أنصار فرانكو، مهمته بث روح الهزيمة، وخلخلة الثقة في نفوس أنصار الجمهورية، وذلكعن طريق نشر الشائعات المختلفة فضلا عن القيام بأعمال تخريبية داخل المدينة، بعدها صار يطلق هذاالمصطلح على كل الحالات المشابهة.
الطابورالخامس، هذه الكلمة تتردد كثيرا هذه الأيام من بعض السياسيين والناس العاديين وحتىالشباب الذين يمتشقون (الكلاشنكوف) ويقفون على أعتاب البوابات العشوائية المنتشرة فيمختلف المدن والشوارع الرئيسية والميادين العامة وحتى داخل الأحياء والأزقة الفرعية.
وسمعناهاأيضا بعد أن تمت السيطرة الكاملة على طرابلس الكبرى بدخل الثوار بثلاثة من مداخلهاالشرقية والجنوبية والغربية، تم ذلك بعيد تحريرها من قبل ثوارها بساعات قليلة، ليتلاحموامعا ويعلنوا من داخلها الانتصار الكبير باختفاء الطاغية وهروب أزلامه ومرتزقته منباب العزيزية.
لقدكانت طرابلس محطة أنظار كل الليبيين طيلة الشهور الماضية، وكان الدعاء يعلوا مآذنمساجدها وفتحها بأقل الخسائر المادية والبشرية وقد استجاب الله لهذا الدعاء، لأنطرابلس تعني لهم الرمز المعنوي فهي (العاصمة) وبتحريرها تتحرر كل ليبيا إنشاء الله،لقد جعلوها رهنا لمدة ستة أشهر ونيف وأحكم قبضته عليها بكل الوسائل - وما أكثرها-لأنه كان على يقين بأن نزعها من قبضته ستجعل ذلك النظام الفاسد في مزبلة التاريخ وإلى الأبد. لقد تكونت بداخلها العديد من الخلايا الثورية المسلحةوالمدنية وكان تنظيمها السري يفوق توقعات كتائبه وأجهزة الخاصة، فكانوا بمثابة السريةالرابعة التي سرّعت بتحريرها وسهلت المهمة على السرايا الثلاثة الأخرى بدخولها.
مصطلحالطابور الخامس الذي يتردد في اعتقادي ليس له وجود في مدينة طرابلس لأن الطاغية لمتسعفه الأيام لتكوين هذا الطابور نظرا لسرعة سقوط المدينة والذي كان لا يتوقع حدوثهبهذه السهولة، كما أن يقظة ووعي شبابها لا يسمح بظهور هذا الطابور حتى ولو كان بالأساليبالتي أتبعها فرانكو في مدينة مدريد، أما تفسيري للذي يحدث داخل بعض المدن المحررة ومايحدث حول مدينة طرابلس من حين إلى لآخر كاقتحام بعض المقرات والسطو على بعض المنازلوالممتلكات واختفاء السلاح وإطلاق النار في الهواء هو جزء من الفوضى التي عادة ما تصاحبمثل هذه الثورات، وبالأخص عندما يكون المجرمون وأصحاب السوابق مازالوا خارج السجونوقد يكونوا من بين صفوف الثوار، وتأخر أجهزة الدولة الأمنية عن تأدية مهامها في المحافظةعلى النظام والأمن.
إذا الخوف هنا ليس من الطابور الخامس المزعوم والذييعتقد أن النظام السابق قد كونه، بل الخوف كل الخوف من استمرار تلك الفوضى المسلحة،والتي قد تسمح بظهور بعض التنظيمات المتطرفة التي ترى في عملية التغيير فرصةلتمرير أجندتها والاستعداد لمرحلة لاحقة.. فالذي ينبغي الانتباه إليه من شباب ثورة17 فبراير وقيادتها هو الإسراع في تحرير ليبيا كاملة، والبدء في تنظيم الجيش الوطنيوإقامة المحاكم ودور القضاء والسماح للفعاليات الوطنية المتمثلة المثقفين والكتاب والأدباءوأصحاب الرأي وأعضاء هيئة التدريس من الذين لجمت أفواههم ومنعوا من المشاركة الإيجابيةخلال الفترة السابقة باعتلاء المنابر ليتقدموا الصفوف ويقوموا بدورهم التثقيفي الذي يكون هدفه تكوين ليبياجديدة تتحقق فيها القيم والأهداف التيقامت من أجلها ثورة السابع عشر من فبراير، فالجميع يتطلع إلى بناء دولة ديمقراطيةقوامها الإرادة الحرة، والتكافؤ والتكافل بين أفرادها، ونظام يعزز كرامة المواطن وحقوقهوحرياته الأساسية ويفتح أمامه آفاق وسبل الحياة الكريمة. دولة تنعم بالأمن والأمانأي دولة القانون والمؤسسات في ظل منظمات مجتمع مدني ودستور رصين.
No comments:
Post a Comment