هناك فرق بين نوعين من الجهوية .. الجهوية الأولى هي الجهوية الطبيعية الحميدة وهي التي أدعو إليها في مشروعنا الوطني المدني القائم على أساس نظام "الحكم المدني المحلي" حيث يكون "مجلس المدينة" بمثابة "برلمان محلي" يدير شئون المدينة دون تدخل من "الحكومة الوطنية المركزية" !.. نظام يقوم على أساس المدن الحرة لا تقسيم ليبيا لشرق أوغرب وجنوب وشمال ولا حتى مقاطعات أو ولايات ففي الحكم المحلي واسع الصلاحيات الغنى والكفاية ....
والجهوية الحميدة بل والمطلوبة تقوم على روح حب وولاء كل مواطن لمدينته وأهلها بشكل خاص - بعد الولاء لله ثم للوطن - بحيث يضع هذا المواطن أغلب مجهوداته وإهتماماته الفردية من أجل رفعة مدينته وخدمتها وتحسين معيشة أهلها ويهتم بتاريخها ووحدتها الإجتماعية من خلال نفوره من العصبيات القبلية أو الطائفية أو الحزبية داخل المدينة وهو يرفع شعار (مدينتنا هي قبيلتنا !) في مواجهة القبليين والفرز القبلي داخل المدينة الواحدة !.. ويرفع شعار(مدينتنا هي حزبنا) في مواجهة الحزبيين والفرز الحزبي داخل المدينة الواحدة!.. ففي المدينة يُفترض وجود "مواطنين أحرار".. وفي المدينة الوضع الطبيعي هو وجود "شعب المدينة" وهم "الأهالي" لا أن تقوم على أساس التقسيم القبلي المتخلف!!.. وهذا النوع من الجهوية "الإيجابية" هو أمر حسن - في تقديري وهو من ضمن مكونات مشروعي الحضاري المدني النهضوي الذي أقترحه على شباب ليبيا الجديدة - وهي جهوية حميدة نافعة وطيبة مادامت في هذا الإطار ... أما إذا تجاوزت هذا الحد وهذا الحب "الفطري" للمدينة والولاء لأهلها وتجاوزت هذا الحد الطبيعي المقبول والمعقول كي تتحول إلى تعصب أعمى وكراهية للمدن الأخرى وأهلها ومحاولة للنيل منها وللتقليل من شأنها وتصغيرها والتفاخرعليها بل وتعييرها والشماتة فيها!!!!.. فهنا نقع في الجهوية المتطرفة والمتخلفة والمقيتة .. الجهوية الضارة والخبيثة والسلبية بل الضارة أو المدمرة للوحدة الوطنية !!.
وهذا الحال والمعيار نفسه يمكن أن ينطبق حتى على مفهوم "الوطنية" ذاته !!!.. فالوطنية هي "جهوية مُكبّرة"!.. بينما الجهوية هي "وطنية" مُصغّرة!.. فهناك نوعان من الوطنية إحدهما وطنية محمودة ونافعة وطيبة هي أشبه بالجهوية الحميدة التي ذكرناها في البداية .. وهناك وطنية عنصرية مقيتة وهي أشبه بـ(النازية) حيث تكون مصحوبة بالتعالي والنرجسية وإحتقار الأمم والأقوام والوطنيات الأخرى وهذا النوع هو نوع عنصري من الوطنية مناف ٍ لتعاليم الدين وللقيم الإنسانية المتحضرة بل ولمفهوم الوطنية المعاصرة!.
سليم الرقعي
No comments:
Post a Comment