لقد ظهر مصطلح التسامحفي المشهد الليبي مع تقدم ثورة 17 فبرايروخاصة بعد ان تمكن المجلس الوطنيالانتقالي المؤقت مدعوما من عموم الشعبالليبي من الحصول علي الدعم الدولي عسكرياوسياسيا ، مع إزدياد عزلة القذافي واعوانه بدأ المجلس ومثقفي ليبيا الاحرار يدعو الي التسامح بينالليبين ويعدون بالتسامح مع من ينشق علي القذافي ..... التسامح مبدا رائع لا يختلفعليه عاقلان .... خاصة وان هذا المصطلح لميكن يعني شيئا لكثير من الليبين .... فلقد ضخت الة القذافي الاعلامية طوال اربعةعقود ونيف فكر الحقد المقدس و الكراهية للاخر ايا كان هذا الاخر ....
ولطالماراودني سؤال لا اجد له حتي اليوم اجابة : كيف يمكن ان يكون الحقد مقدسا؟ ... اذاكانت القدسية صفة لله مالك الملك ،،،،، واذا كانت القدسية لكتاب الله " القرانالكريم" الذي يهدينا الي الحب والرحمة والتكافل والتسامح والايخاء ويدعو اليالعفو عند المقدرة ، اذا كان عصيان تعاليم الله يمكن التكفير عنه بالتوبه ....فكيف يكون الحقد مقدسا ..... لقد تعلمالليبين الحسد والحقد ، لقد تعلموا الكراهية واصبحت البذائة والشتائم لغة رسميةللبلاد ونحن المجتمع الفخور بتقاليدهوعاداته المبنية علي قيم الاخلاق الحميدة والحشمة وتفضيل الغير علي النفس اوالايثار، ما يثير الاستغراب اليوم .... لابل ما يثير الدهشة ... ان مصطلح التسامح الذي نادي به المنتفضون في 17 فبراير منأجل لم الشمل، ينادي به اليوم المنشقين علي القذافي بعد هروبه ولا اقول سقوطه ،فالهامات هي التي تسقط وهو لم يكن يوما هامة ... لا اعتقد ان التسامح ممكن قبلالعدالة ، وانا هنا لا اتكلم عن الانتقام فاحترام تعاليم الاسلام الذي افخربالانتماء اليه ، واخلاق العرب الذين تربينا عليها، تفرض علينا تفضيل مصلحة المجموع علي مصلحةالفرد، ومساندة فكرة العفو والصفح لترميم الشروخ التي اصابت اللحمة الوطنية اصبحتاليوم واجب وطني او تكاد ان تكون ... لكن العدالة ورد الحقوق الي اصحابها هوالاساس الذي يبني عليه التسامح ،،، لان التسامح مقدس قدسية الايمان، وكما يبنيالايمان علي عقيدة واقتناع ، يبني التسامح علي العدالة التي تقتضي تقصي الحقيقةواعلانها وما يتبع ذلك من تحديد مسئولية كل متهم سواء باقرار المجرم بجرمه او بحكم قضائي يدينه وما يتبع ذلك من جبرللضرر.ان ما دفعني للحديث عنفكرة التسامح وارتباطها بالعدالة ، ما نشرته ليبيا اليوم والعديد من الصحفوالقنوات التلفزيونية حول عثور ناشطين من منظمة هيومن رايتس وتش علي مستندات فيمقر الامن الخارجي الليبي تكشف عن التعاون بين المخابرات الليبية ونظيرتهاالبريطانية والامريكية ، تمثل هذا التعاون في خطف معارضين ونشطاء ليبين في الخارجوتسليمهم الي ليبيا ... ولعل قضية عبدالحكيم بالحاج ليست القضية الوحيدة، لكنهامثال لانتهاك حقوق الانسان وادميته، فخطف انسان فر من الظلم الذي طاله في ارضاباءه واجداده الي ابعد بقعة في الدنيا ... الي تايلاند ، فلحقت به المخابراتالبريطانية واختطفته مع زوجته الحامل لترسله كطرد بريدي الي من لا يرحم ... القيبه في يد المخابرات الليبية لتعذبه وتهين ادميته... لا نستطيع ان نصدق فكرة انالمخابرات البريطانية لم تكن تعرف انه قد تعرض للتعذيب، فالغرب يعرفون القذافيومخابراته اكثر منا، المفارقة هنا لا تكمن في موضوع التعاون مع القذافي في انتهاكحقوق المواطن الليبي بل في الطريقة التي تعاملت بها السلطات البريطانية والليبيةمع الموضوع بعد ان كشفت عنه منظمة هيومن رايتس ويتش :
لقد اعلن ديفيد كاميرونرئيس الوزراء البريطاني الي التحقيق في الموضوع في رد فعل سريع علي الاتهاماتالموجهة الي اجهزة امن بلاده، ايا كانت نتائج هذه التحقيقات فان الخطوة العاجلةالتي اتخذها السيد كاميرون تؤكد انه لايستطيع ان يغض البصر عن مسالة تتعلق بانتهاك حقوق الانسان ومساعدة الانظمةالدموية في انتهاك ادمية مواطنيها وكرامتهم ، للاسف لم نجد احد يعبر عن أي موقف فيليبيا ، فعلي الرغم من ان كل اعضاء المجلس الوطني الانتقالي والمكتب التنفيديوالناطقين الرسميين وما اكثرهم يصرحون " عمال علي بطال" وكأن عندنا اسهالتصريحي ، الا ان احدا لم يتصدي لهذا الموضوع ولو شكليا، لم يعلن حتي عن تشكيل لجنةتقصي حقائق لتجمع هذه المستندات وتجمع ادلة ليتم البث في الموضوع لاحقا بعداستكمال تحرير التراب وتحقيق استتباب الامن، فلماذا هذا الصمت؟ للاسف هذا الصمتيدفعنا الي التساؤل : هل للمواطن الليبي ثمن ؟ هل يعي قادة ليبيا الجدد كما تسميهمبعض الصحف اهمية ملف حقوق الانسان الليبي؟؟؟ نحن في حالة حرب ..نعم، القضاء لايمكنان يعمل بشكل عادي وهذا ينطبق علي مؤسسات الامن...نعم ، لكن لاشئ يمنع من تكليفلجان تقصي حقائق والاعلان عن ذلك، وهذه اللجان يمكن ان ترافق الثوار في كل مدينةيحررونها، تجمع الادلة و تطلع علي ما حدث ويحدث من الثوار وغيرهم وتوثقه ، قدلاتملك التدخل لظروف القتال لكنها تملك التسجيل والتوثيق ، الايرافق نشطاءالمنظمات الحقوقية الدولية الثوار ، السنا اولي بهذا العمل او بالاحري أليست هذهالمهمة من واجباتنا؟
السيد عبدالحكيم بلحاجاعطاه الله عمرا ليري عدوه وعدونا يفر ونظامه ينهار واتيحت له الفرصة لان يعثر عليالادلة التي يحتاجها ليطالب بحقه، فماذا عن الاخرين، ماذا عن ابناء ليبيا الذينقتلوا بعد ان نكل بهم وهدرت كرامتهم واهينت ادميتهم ، يؤسفني ان اري ان السيدعبدالحكيم بالحاج يطالب بحقوقه بشكل فردي ولا اجد الي جانبه دولة تدافع عنهباعتباره احد مواطنيها وتعمل علي تقصي الحقائق وجمع الادلة لتتمكن من ان تساعدهوتساعد غيره من اجل الدفاع عن حقوقهم والقصاص من الفاعلين او العفو عنهم ، فالقادروحده هو من يملك العفو ام الضعيف او المقهور الذي لايعترف احد بحقوقه فلا احد يهتمان عفا وسامح او لا !!!
ان ثورة 17 فبراير لمتكن ثورة جياع بل كانت ثورة الكرامة التي هدرت، لم يثر الليبين بحثا عن رغيف الخبزبل ثاروا انتصارا لكرامتهم التي اهينت ولدمائهم التي هدرت ولقتلاهم " اللياعتبرهم القذافي لايستحقون حتي الدية" (قد يقول البعض ان بعض ضحايا القذافيدفعت لهم دية واقصد هنا بعض ضحايا ابوسليم، هذا قول مردود عليه فتقديم الدية مبنيعلي اعتراف المجرم بجرمه وطلبه العفو والمسامحة من اولياء الدم وهذا ما لم يتحققفي قضية ضحايا ابوسليم) ... الم يحن الوقت لان نهتم بالانتصار لكرامة الليبيواعتبارها اولوية ، اليس هناك مسئول مكلف بملف العدل وحقوق الانسان في المكتبالتنفيدي او المجلس الوطني الانتقالي ؟ امان هناك خشية ان يثير البحث في الموضوع شعور العداء تجاه الغرب وخاصة بريطانياالتي وقفت الي جانبنا في حربنا ضد القذافي واللانظام الذي جثم علي صدورنا اربعةعقود ونيف... متي نتعلم التعامل مع الاخر علي اساس الفصل بين القضايا والملفات،فالبحث في قضية بلحاج وامثاله لاعلاقة لها بالتعاون السياسي والاقتصادي مع المملكةالمتحدة و فتح ملف الكيخيا لا يضر بالعلاقات الليبية المصرية ، اذا ثبت بالوثائقتورط المخابرات البريطانية فيمكن محاكمة جهاز الامن البريطاني امام محاكم بلاده اوالمحكمة الاوربية وهذا لايربط بالتعاون الاقتصادي والعلمي ، الايتعامل الغرب معنابنفس الطريقة ، ليس الغرب وحده بل كل الحكومات الديمقراطية التي تحترم حقوقمواطنيها...... الا يطالبنا محامي ضحايا الجيش الايرلندي بحقوق موكليه التيانتهكها القذافي مع اننا ضحايا مثلهم ؟ الم تثر قضية المقرحي بعد تحرير طرابلس(وقد تصدي لها احد المصرحين بتصريح قوي يرفض فيه اعادة تسليم المقرحي لبريطانيا) ؟ تساؤلات نتمني ان نعثر لها علي اجاباتتطمئننا علي حقوق الانسان الليبي في ليبيا الغد، ولا يجب ان ننسي ان الغد ابنالامس .
د/ كريمة حسين
No comments:
Post a Comment