يتضح مرة أخرى أن الديكتاتوريات نمور من ورق
لوبوان Le Point
برنار هنري ليفيBernard Henrie Lévy
ترجمة : خالد محمد جهيمة Kaled Jhima
ما أكثر ما سمعنا !
بدأت الحرب تَدخل مستنقعا يصعب الخروج منه.
الثوار غير منظمين, وغير منضبطين, وأسلحتهم قديمة.
المجلس الوطني الانتقالي, مُمزَّق, ومنقسم إلى فصائل متنافسة قبليا.
ستقوم القبائل المقربة من القذافي, عندما يحين الحين, بمقاومة شديدة, وطويلة, في معقلها في طرابلس.
أما ساركوزي, فقد قيل عنه : لقد شرع في مغامرة غير محسوبة النتائج, وغير مدروسة, ولا يملك أصدقاؤه السياسيون سوى التفكير في إنقاذه منها.
تكمن الحقيقة هنا في أن هناك صراعا بين فريقين كبيرين قديمين بقدم العمل السياسي, وهما: من ناحية, الأسرة الأبدية, التي تضم من أعداء الشعوب, أو أصدقاء المستبدين, بقدر ما تضم ممن شلتهم السلطة, وسحرهم الطغيان ـ الأسرة الأبدية المكونة من الذين لا يمكنهم تصور أن النظم الديكتاتورية هي نظم انتقالية, وزائلة كما هي النظم الإنسانية, أو ربما أكثر. وهناك, من ناحية أخرى, الغالبية الذين لم يَحجب عنهم هذا الشغف الغريب, وذلك الشلل الروحي المتسبَبٌ عن الجورجون, أو الوحش البارد, القدرةَ على الحكم, والقادرين على تصور, مجرد التصور, أن الديكتاتوريات لا تصمد إلا بفضل الثقة التي تُمنح لها, أعني الخوف الذي تثيره في مواطنيها, والاحترامَ الذي توحي به إلى العالم الآخرـ لكنها تسقط, عندما تذهب هذه الثقة, بانكشاف هذا الجمال الزائف, أو السراب, كقصور من ورق, أو تصبح نمورا من ورق.
.سأتحدث, في الوقت المناسب, بالتفصيل عما كنت شاهدا عليه في ليبيا, وخارجها, خلال هذه الأشهر الست, التي ربما غيرت بداية هذا القرن. لكنني, أريد في هذه اللحظة, أن أحيي أولئك الذين لم ييأسوا من الرهان, الطبيعي جدا, وإن كان قد بدا لكثيرين أحمقا, على حرية الرجال. كما أريد أن أنصِف هؤلاء المقاتلين الليبيين الذين تُجرئ على وصفهم باستمرار, كأرانب في مواجهة جحافل مسرح الجحيم, والذين حظيت برفقتهم على جبهات البريقة, واجدابيا, والجواليش, ومصراتة, والذين جسدوا لي مرة أخرى هذه القوة التي لا تقهر, والتي وجدتها طوال حياتي, عند أولئك الذين كتب عليهم القتال, وهو كره لهم .
أريد أن أتحدث عن أمانة, ونزاهة المجلس الوطني الانتقالي, الذي شاهدت لحظة ولادته, ثم نضجه, والذي استطاع برجاله, ونسائه, الديمقراطيين منهم, أو المتخلون عن القذافية, والعائدون من المنفى, أو أولئك الذين كانوا يعارضون من الداخل, والذي لم يكن يملك أي خبرة في مجال العمل الديمقراطي, ولا في المجال العسكري, على الرغم من ذلك كله, إضافة صفحة رائعة إلى تاريخ المقاومة العالمي.
أحيي كذلك الطيارين الأوروبيين, وبخاصة الفرنسيين منهم, الذين خاضوا حربا لم يتعودوا عليها, لكن مهمتهم كانت أخذ الوقت اللازم لنجدة المدنيين التي كلفتهم بها الأمم المتحدة, وتحملوا صواعق نافذي الصبر, الذين لم يضرهم طول مدة اثنين وأربعين عاما من الديكتاتورية, لكن أزعجهم مضي مائة يوم, فوجدوها طويلة جدا, عندما تعلق الأمر بنجدة أناس أبرياء, ووضعوا أنفسهم, في بعض الأحيان, عرضة للخطر, ليتجنبوا إصابة أي هدف مدني.
أما فيما يتعلق بنيكولا ساركوزي, في النهاية, فإنه يمكن ألا نكون من مؤيديه, وأن نكون من المعارضين, كما هي حالي, لسياسته, لكن كيف لا يمكن الاعتراف, بأن فرنسا قد بادرت , في ظل رئاسته, إلى مصاحبة ولادة ليبيا الحرة هذه ؟ وكيف لا يمكن تحية إصراره الذي أبداه في كل مرحلة من مراحل الحرب؟ وكيف لا يمكن التسليم بأنه فعل من أجل ليبيا, ما رفض فرانسوا ميتيران فعلَه, إلى النهاية, من أجل البوسنة الذبيحة ؟
لقد كتب الثوار, بمساعدة فرنسا, وحلفائهم الآخرين, صفحة جديدة في تاريخ بلدهم, بل إنهم تمكنوا, من افتتاح حقبة سيكون من الصعب الاعتقاد ألا تكون لها آثار على المنطقة بأكملها, وبخاصة على سوريا.
ستُكتب هذه الحرب المختلفة تماما عن حرب العراق, و سيسجل هذا التدخل العسكري, الذي لم يهدف إلى فرض الديمقراطية على شعب صامت, بل دعم ثورة طالبت بها من قبلا, وامتلكت تمثيلا انتقاليا, لكنه شرعي, في الحوليات.
كما تم قبر التصور القديم للسيادة, والقائم على أن كل الجرائم مسموح بها ما دامت ترتكب داخل حدود الدولة, وَوُلدت فكرة عالمية الحقوق, التي لن تكون, من الآن فصاعدا, أمنية بسيطة, بل واجبا متقدا لكل من يؤمن بوحدة النوع الإنساني, وحق التدخل الذي هو نتيجة طبيعية لها.
سيأتي, بالطبع, وقت طرح الأسئلة, والشكوك, وربما الزلات, وتصفية الحسابات, أو الانتكاسات الأولى, لكن ليس من الذكاء النأي عن التعبير عن الفرحة التي يوحي بهذا الحدث المؤثر بكل معنى الكلمة.
.
No comments:
Post a Comment