محمد عبد الرحمن بالروين : إستفسارات حول الإعلان الدستوري المؤقت

 
إستفسارات حول الإعلان الدستوري المؤقت

الاخوة الافاضل رئيس وأعضاء المجلس الوطني الإنتقالي الاخوة الافاضل رئيس وأعضاء المجالس المحلية في كل ربوع الوطن
السيدات والسادة الكرام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سيداتى سادتى الكرام في الوقت الذي أشكركم علي إصدار الإعلان الدستوري المؤقت يوم 3 رمضان 1432 هجرية الموافق 03/ 08/2011 ميلادية أسمحوا لي مشكورين ان أُثير مجموعة من الإستفسارات حوله. ولعل السؤال البسيط والمهم المتعلق بهذا الشان هو: هل القيام بإصدار هذا الإعلان الدستوري مهمة من مهام مجلسنا الإنتقالي في هذه المرحلة بالذات أم هو حق  من حقوق ممثلي كل أبناء شعبنا في كل مدننا المحررة والغير محررة بعد؟ وهنا لعلكم تتفقوا معى بأن امر مهم مثل هذا هو   من حق كل شعبنا الذي عليه ان يقول كلمته في هذا الأمر المهم والمصيري. وأنا أعتقد – وأسمحوا ليّ في ذلك -- انه خطاء استراتيجي ولا أقول مقصود -- أن يقوم مجلسنا الإنتقالي المؤقر بإصدار هذا الإعلان الدستوري في هذا الوقت الحرج بالذات, وان يقوم  بوضع هذه الإليات وفرض هذه الشروط في غياب ممثلوا الشعب المُختارون. ولعل من أخطر الامور في هذا الاعلان الدستوري – على سبيل المتال لا الحصر -- ما تضمنته المواد الاربعة التالية:


أولا: تنص المادة (17) بأن "المجلس الوطني الانتقالي المؤقت هو أعلي سلطة في الدولة الليبية، ويباشر أعمال السيادة العليا، بما في ذلك التشريع ووضع السياسة العامة للدولة، وهو الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي، يستمد شرعيته من ثورة السابع عشر من فبراير، وهو المؤتمن على ضمان الوحدة الوطنية، وسلامة التراب الوطني، وتجسيد القيم والأخلاق ونشرها،  وسلامة المواطنين والمقيمين، والمصادقة على المعاهدات الدولية، وإقامة أسس الدولة المدنية الدستورية الديمقراطية."

وحول هذه المادة يمكن القول: (1) نعم إن مجلسنا المؤقر – خلال فترة التحرير من هذا الحكم الشرير - هو الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي ويستمد شرعيته الثورية من ثورة السابع عشر من فبراير. (2) إن هذا الكلام صحيح ولكنه غير دقيق    وغير كامل وذلك لان هذا الاعلان لن يكون دستوريا ولن يتمتع بالصفة الدستورية الا أذا أعتمده شعبنا (أوممثلوه المختارين) صانع هذه الثورة وصاحب السيادة العليا في الدولة. (3) لعلنا نتفق بان شعبنا – حتى الان علي الاقل لم بُخول المجلس الوطني الانتقالي سلطة إصدار هذا الاعلان الدستوري. (4) علي مجلسنا أن يتذكر بان مصدر القوة الإلزامية له  هي الثورة –  بالدرجة الاولي – وليس إختيار الشعب له. (5) أنا أعتقد بأنه من الضروري والآجدي في هذا الوقت الذي يؤيد ويلتف فيه شعبنا المجاهذ الصبور حول مجلسنا المؤقر أن يقوم هذا المجلس بالتركيز علي المهام والاولويات التى تتطلبها فترة إسقاط هذا الحكم الظالم والابتعاد علي إتخاد قرارات إستراتيجية تمس مستقبل الوطن. و(6) لعل من أهم المهام لهذا المجلس في هذه الفترة التاريخية (كما ذكرت في مقال سابق بعنوان: إقتراحات حول خارطة الطريق) هو ليس إصدار إعلان دستوري مؤقت وانما هو (أ) إدارة فترة الجهاد والاستجابة لكل التحديات التى تواجه ثورتنا ووطننا في هذه الفترة الحاسمة. (ب) توحيد مركزية القرار والادارة. (ج) إعتماد لوائح وإجراءات تنظيمية خاصة بالمجلس وإعلانها للجميع. (د) الإسراع في تكوين جهاز وطني للمراقبة الادارية والمالية. و(ه) الدعوة والاشراف علي تشكيل جمعية وطنية تأسيسية في مدة لاتزيد عن ثلاثين (30) يوما من اليوم الذي يسقط  فيه هذا الحكم الشرير. وبإنتخاب هذه الجمعية تنتهي مهمة مجلسنا الإنتقالي مشكورا.

ثانيا: تنص المادة (18) بان "يتكون المجلس الوطني الانتقالي المؤقت من ممثلين عن المجالس المحلية، ويُراعى في تحديد ممثلي كل مجلس محلي الكثافة السكانية والمعيار الجغرافي للمدينة أوالمنطقة التي يمثلها، وللمجلس الحق في إضافة عشرة أعضاء لدواعي المصلحة الوطنية، ويتم ترشيح واختيار هؤلاء الأعضاء من قبل المجلس...." ولعل من أهم الإستفسارات    حول هذه المادة هو: علي أي أساس سيتم مراعاة الكتافة السكانية والمعيار الجغرافي للمدين والمناطق؟ ومن الذي له حق   تحديد ذلك؟ وعلي أي أساس ديمقراطي يحق للمجلس الانتقالي إضافة عشرة أعضاء لدواعي المصلحة الوطنية؟ بمعني  ماهي هذه المصلحة الوطنية التي تقتضي إضافت عشر أعضاء؟ ولماذا عشر أعضاء فقط؟ والخقيقة انه لايوجد أي مبرر موضوعي ولاعملي لإعطاء هذه الحق للمجلس أوالي أي هيئة آخري. لقد كان من الاجدي ان ينص الإعلان الدستوري  علي تمثيل المجاهذين والثوار في الجبهات بنسبة معينة في المجلس.

ثالثا: تنص المادة (30)  بان "قبل التحرير يتم استكمال المجلس الوطني الانتقالي المؤقت حسب ما أقره المجلس، ويبقي هو الذي يمثل أعلي سلطة في الدولة الليبية والمسئول عن إدارة البلاد حتى انتخاب المؤتمر الوطني العام. وبعد إعلان التحرير ينتقل المجلس الوطني الانتقالي المؤقت إلي مركزه الرئيس بطرابلس، ويشكل حكومة انتقالية خلال مدة أقصاها ثلاثين يوماً، وخلال مدة لا تتجاوز تسعين يوماً من إعلان التحرير يقوم المجلس بالآتي: (أ) إصدار قانون خاص بانتخاب المؤتمر الوطني العام. (ب) تعيين المفوضية الوطنية العليا للانتخابات. (ج) الدعوة إلي انتخاب المؤتمر الوطني العام. (ح) يتم انتخاب المؤتمر الوطني العام خلال مائتين وأربعين يوماً من إعلان التحرير. (د) يتكون المؤتمر الوطني العام من مائتي عضو منتخب، من   كل أبناء الشعب الليبي, وفق القانون الخاص لانتخاب المؤتمر الوطني العام. و(ه) يُحَل المجلس الوطني الانتقالي المؤقت في أول انعقاد للمؤتمر الوطني العام..." ولعل من أهم الملاحظات والاستفسارات علي هذه المادة: (1) هل يحق لمجلس غير منتخب وغير مكتمل بعد ولايزال لايمثل كل شرائح الشعب ولا كل مدن الوطن أن يضع إعلان دستوري يُلزم به الجميع؟    (2) كيف سيتم إستكمال المجلس المجلس الوطني الانتقالي ونحن لا نعلم أي آليات قد أعتمدها المجلس لتحقيق هذا الغرض؟  (3) من الذي أعطى المجلس حق وضع  قانون الانتخابات وايضا تعيين المفوضية الوطنية العليا للإنتخابات؟  و(4) علي أي أساس تم الاتفاق علي ان يتكون المؤتمر الوطني العام من مائتي (200) عضو منتخب؟ بمعني لماذا الرقم مائتين؟ وكيف     سيتم اعداد تقسيم الدولة الي مائتين دائرة إنتخابية في هذه المذة القصيرة التى حددها المجلس؟



رابعا: تنص المادة (36) علي انه "لا يجوز إلغاء أو تعديل أي حُكم وارد بهذه الوثيقة الا بحكم آخر صادر عن المجلس  الوطني الانتقالي المؤقت وبأغلبية ثلثى أعضاءالمجلس." والحقيقة ان هذه المادة هي من أغرب المواد في هذا الاعلان ولا محل لها في وثيقة دستورية كهذه. ولكن حتى لو سلمنا بها فسيبقى الإستفسار حولها هو: طالما ان المجلس الوطني الانتقالي المؤقت سيُحل في اول انعقاد للمؤتمر الوطني العام, وماذام لايجوز إلغاء أوتعديل أي حُكم وارد بالاعلان الدستوري الا بحكم آخر صادر عن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت وبأغلبية ثلثى أعضاء المجلس, فماذا سيحدت لهذه الوثيقة ولكل القرارات والآليات المنبتقة عنها بعد ان يتم حل المجلس الانتقالي وخصوصا خلال الفترة الانتقالية الباقية. وكيف سيتصرف  المؤثمر الوطني العام إذا أراد إلغاء أوتعديل أي حكم أوبند وارد بهذه الوثيقة؟

الخاتمة       لعله من المناسب ان أختم هذا المقال بالتاكيد على: (1) لابد ان  نعي بان مصطلح الإعلان الدستوري هو مصطلح وآليه قد تم أستغلالها من قبل كل الانظمة الدكتاتورية وخصوصا حكام دول العالم الثالث للحصول علي الشرعية (الشريعية الثورية) والاستمرار في حكم شعوبها. وبالتالي فلابذ ان نكون حدرين عند أستخدام هذه الآلية, ولابد ان تكون بنودها واضحة ومختصرة وان يتم إعتمادها من قِبل الشعب أوممثلوهم. (2) لابد علي مجلسنا المؤقر إن يدرك بأن محاولة تأسيس الدولة وإقامة البناء السياسي في أي مجتمع علي أساس إعلان دستوري (يعني قواعد مؤقتة) من شأنه ان يقود الي حالة من عدم الاستقرار وذلك بمحاولة تشكيل وإعادة تشكيل المؤسسات في المجتمع أولاعلي أساس القواعد المؤقتة تم علي أساس الدستور الدائم. (3) لابد ان نذرك بأننا ياسادة في حاجة الي وضع دستور أولا ثم  بعد ذلك نستطيع من خلاله وضع القوانين والآليات الآخري -- كقوانين الانتخابات والاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها. بمعني آخر أسمحوا لي يا سادة ان أذكركم بأنه لايصح ان نبدا في تأسيس دولتنا الدستورية التى نحلم بها جميعا قبل وضع أساسها الذي يجب ان تقوم عليه الا وهو الدستور. فالدستور هو الذي سيحدد طبيعة دولتنا ونوعها وأهدافها وحدود سلطاتها. بمعني انه من المنطقي– كما يقولون –  ان يتم وضع قواعد وأسس البيت قبل البدء في بناءه. وعليه يجب ألا نشرع  في بناء نظامنا السياسي الجديد علي قواعد مؤقتة  كإلاعلان الدستوري الا اذا ثم ذلك بالاساليب الصحيحة وبموافقة الشعب اوممثلوه. وعليه أنا أقترح بالا يتم إعتماد العمل بهذا الاعلان الدستوري المؤقت لانه لم يصدر عن ممثلي الشعب وانما صدر عن مجلس إنتقالي غير مُكتمل وإستمد شرعيته من الشرعية الثورية للقيام بمهام محددة  تنتهى بمجرد سقوط حكم القدافي الشرير. بمعني آخر إن إعطاء المجلس الانتقالي – مع إحترامى له -- حق إصدار هذا الاعلان الدستوري (المؤقت) بإسم المشروعية الثورية فيه مصادرة لحق الشعب صاحب السلطة والصانع الحقيقي لثورتنا المباركة. و(4) إن أغلب القضايا التى تضمنتها بنود هذا الاعلان الدستوري –  مع إحترامي  للذين وضعوه – هي ليست من إختصاص مجلسنا الانتقالي , فهناك علي سبيل المثال العديد من المواد المتعلقة بالحياة السياسية لفترة طويلة وليس مؤقتة وهذا يتعارض مع طبيعته المؤقتة وسيُربك عملية الاعداد لتأسيس الدولة وكتابة الدستور الدائم. .

ختاما وبناءا علي ما تقدم يمكن ان نقول نعم لإيجاد إعلان دستوري (مؤقت) اذا إقتضت الضرورة لذلك من أحل تسيير      أمور دولتنا في هذه الفترة الحرجة من تاريخ شعبنا وبشرط أن تقوم جمعية وطنية تاسيسية  تمثل كل شرائح مجتمعنا بوضع هذا الإعلان الدستوري المؤقت. ومن هذه القناعة فأنا أقترح علي مجلسنا الانتقالي المؤقر عدم تبنى هذه الوثيقة وان يكتفى بتقديمها كمشروع لإعلان دستوري مؤقت لمناقشته في الجمعية الوطنية التأسيسية  التي ستتولي إدارة شؤون الدولة في  المرحلة الانتقالية بعد ان يُحل مجلسنا الانتقالى. هذه الجمعية التاسيسية التى سيكون من أهم مهامها إعداد مشروع دستور دائم يتم عرضه علي الشعب للإستفتاء عليه. أدعو الله عز وجل يا أحباب ان أكون قد ساهمت في إثري النقاش البنّاء وذلك بإثارت بعض القضايا والإستفسارات الهامة المتعلقة بهذه الوثيقة..... والله المستعان.



محمد عبد الرحمن بالروين





No comments:

Post a Comment

Followers

Pageviews