هلال العيد .. وقاضي برقة .. وحراسة القيم
عبدالحميد الكبتي
حياكم الله .. محمد بن إسحاق الحبلي تـ 341 هـ كان قاضياً لبرقة، فأتاه عامل برقة في زمن حكم الفاطميين، وأعلمه بأن غداً العيد، فرد عليه: إن رُئي الهلال الليلة كان ما قلت، وإن لم يرَ لا يمكنني أن أفطر الناس يوماً من رمضان، فالتمس الناس الهلال تلك الليلة فلم يروه، فأصبح العامل للقاضي محمد بالطبول وهيأة العيد، فقال له القاضي محمد: لا والله، لا أخرج ولا أخطب، ولا أصلي العيد ولا أن أفطّر الناس يوماً من رمضان، ولو علقت بيدي. فمضى العامل فجعل من خطب وصلى، ووصل الأمر لسيده الحاكم الفاطمي فقال: إما أن تتنصل وأعفو عنك، وإلا فعلت بك كما قلت، فامتنع القاضي محمد، فنصب له عمود خشبي وعلقه من يديه في الشمس، فأقام كذلك بارزاً معلقاً في عين الشمس وشدة الحر، فلما كان بالعشي مات رحمه الله.
كان هذا أيها الأحبة قبل أكثر من ألف سنة، اقترفه الحاكم الفاطمي الذي كان الظالم ينتهج منهجه في تمييع أعياد الليبيين، كان يقلده بكل دقة، فكم من سنوات كنا نسمع عن العيد أو الصيام بأصوات السيارات في وقت الضحى، نفس العقلية المنحرفة كان الظالم يتقصها من أجل أفساد كل شيء على الناس.
وضرب لنا العالم القاضي محمد الحبلي مثالاً رائعاً للتضحية من أجل الحفاظ على قيم الناس ودينهم، وضحى بنفسه ليرسخ هدا المبدأ في نفوس الشعب الليبي، ومرت السنوات والأعوام وضحى الكثير من رجالنا بأنفسهم فقُتلوا وسُجنوا وشُردوا وهُجروا، حتى إذا كان عيد الأضحى منذ سنين هاجت روح القاضي ابن إسحاق الحبلي في نفوس الشباب، فتحول تمييع العيد إلى تحدٍ واضح للظالم؛ من خلال مسجات الجوال الساخرة، وتحدوا الظالم ولم يستجيبوا لميوعته وإفساده لدين الناس، وكان ذلك ـ في رأيي ـ أول التصدع في جدار الخوف؛ وتجرأ الناس على الضحك على النظام والاستخفاف بأعماله.
ثمة قيم كثيرة تحتاج إلى حراسة، بخاصة أننا عانينا من محاولات تمييع القيم واللعب بها لسنوات أربعين قاتمة..
الشورى و الديمقراطية: التي غيبت لسنوات الهبل الطويلة، آن لها أن ترسخ في مجتمعنا بكل شفافية ووضوح، وأن لا نقبل مطلقاً بأي تسلط واحتكار من أي شخص كان، دون أي تخطي لإرادة الشعب في كل متطلبات الشورى والديمقراطية.
وفرة الفرص للجميع: فقد كان الاحتكار هو الغالب، وليته كان احتكاراً مفيداً، لكنه الاحتكار الفاسد المفسد للمؤسسات والوظائف والمهام والأموال والدراسات، وكل شيء، وأية محاولة لسد الفرص على الناس أيَّا كانت هده الفرص، هو خيانة لدماء الشهداء الأبرار.
المواطن أولاً: هذه الثورة ولدت من أجل المواطن قيل كل شيء، فقد فاضت أكباد الناس من رؤية الناس في الدول الغنية الأخرى ينعمون بثروات بلادهم ويعيشون بكل رفاهية وسعادة، مما يساعدهم ذلك في الشعور بالوطنية والغيرة والحب للوطن، وأي حسابات أخرى غير تقديم المواطن هي حسابات من عصر الظلم الدكتاتورية.
الوسطية: وسطية التدين ووسطية الفهم والأداء، وهي ميزة فينا واضحة، علينا تجليتها وتعميقها، فلا نسمح للتطرف، كما لا نسمح بالتفريط، ولا نسمح بالإرهاب، كما لا نسمح بالذل، لا نسمح بالميوعة في أخلاقنا وسلوكنا، كما لا نسمح بالجمود والسلوك المتخلف.
إشاعة العلم والمعرفة: فالتجهيل كان مقصوداً لسنوات طويلة، الأمر الذي حاصر إمكانياتنا وأهدر قدراتنا وحطمت طموحاتنا وصودرت أحلامنا، وها قد فكننا عنا القيود ويحق لنا أن ننطلق بكل ما نملك نحو المعرفة والعلم، فقد واكبنا ثورة المعلومات واستفاد الناس من القنوات والإنترنت، واطلعوا على ما يحدث في العالم، ولن نقبل بأية سياسات أو شخصيات أو مناهج أو مؤسسات تقوم على عقلية تحجيم العلم والمعرفة عن الجميع.
روح الجسد الواحد: كل من تلطخ بدمائنا أو أموالنا أو فساد إداري أو ارتكب ظلماً وعدوانا على أحد من الناس، كل أولئك مكانهم المحاكم العادلة التي تطبق عليهم القانون بكل حق، أما بقية المجتمع فجيب أن يكون كالجسد الواحد { كأنهم بنيان مرصوص } سواء ممن كانوا في المهجر، أو ممن دخل السجن السياسي أو ممن عايش سنوات الظلم وتنفس من أجوائها، كل أولئك وغيرهم سيشكلون هذا البنيان المرصوص والجسد الواحد، وأي داع لغير ذلك أخشى أن يكون صاحب هوى ومصالح شخصية دفينة.
الحب: إننا كي نصل إلى طموحاتنا وأحلامنا وما نرغب فيه من الخير كله، علينا أن نزرع ونسقي ونحافظ على معاني الحب السامية فينا، حباً لبعضنا، حبا لوطننا، حباً لديننا، حباً للتغيير الذي تحقق، حباً لرب كريم منّ علينا بهذا النصر الجميل، في أيام الفتح المبين.
تلك سبعة كاملة، علينا أن ننفق من ذواتنا عليها وأن لا نبخل في شيء كي تتحقق هده الأمور المهمة { سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم }.
ألف مبارك بنصرنا، وكل عام وأنتم في نصر ونماء، والحمد لله أولاً وآخراً.
نشر في العدد العاشر من المنارة الورقية
26-8-2011
No comments:
Post a Comment