كنت قد كتبت مقالات حتى قبل ثورة 17 فبراير تدعو للعودة للنظام الفيدرالي الإتحادي ولكن ليس على أساس التقسيم الجهوي القديم (طرابلس وبرقة وفزان) فهذا التقسيم أصبح جزء من الماضي ومن تاريخ ليبيا السياسي والإداري ولكني دعوت أن تكون الفيدرالية الجديدة على أساس المدن فتكون دولتنا القادمة هي دولة المدن الليبية المتحدة بعد فشل دولة الولايات الليبية المتحدة ثم فشل مشروع الدولة المركزية... ولكني الآن أجد نفسي مترددا ً حول هذا الموضوع – أقصد موضوع الفيدرالية - فنحن نريد أن نعالج مشكلة المركزية المفرطة في الحكم والإدارة وهي مشكلة حقيقية تعاني منها ليبيا كما أن ليبيا بالفعل مترامية الأطراف ولكن هل الحل هو الفيدرالية والعودة للنظام الإتحادي؟؟؟ .
لماذا تحتاج بعض الشعوب للفيدرالية!؟
لقد فكرت كثيرا ً في هذا الموضوع ووجدت أن "الفيدرالية" والنظام الإتحادي إنما وضعت لحل مشكلات ديموغرافية كأن تكون هناك إنقسامات دينية أو عرقية أثنية حادة بين السكان ولكل طائفة من الشعب أو "الأمة الوطنية" منطقة تسكنها فيكون الحل إقامة نظام حكم فيدرالي كما في "نيجيريا" المنقسمة بين مسلمين ومسيحين وكحال السودان!.. فهذا سبب من أسباب إقامة نظام فيدرالي أما السبب الثاني فهو عندما تكون هناك دولتان تريدان الإتحاد في دولة واحدة متحدة أو تكون هناك أقاليم أو إمارات أو ولايات متفرقة ثم تقرر الإتحاد في دولة واحدة كما حصل في "الولايات الإمريكية المتحدة" أو "الإمارات العربية المتحدة" أو في دولة الإستقلال والإتحاد الليبية (دولة الولايات الليبية المتحدة) التي تكونت وإتحدت من الأقاليم الليبية الثلاث (طرابلس وبرقة وفزان) الذي إنتهى عام 1963... وفي ليبيا اليوم الموحدة والمتجانسة ثقافيا ً ودينيا لا أعتقد أن ثمة مبرر وسبب موضوعي للجوء للفيدرالية !!!.. فالفيدرالية في الدول الضعيفة وحديثة العهد وغير المستقرة مثل بلداننا قد تشجع بالفعل على الإنفصال كما حصل في السودان!.. بل حتى في الدول الإتحادية (الفيدرالية) العريقة المستقرة هناك جماعات إنفصالية صغيرة تنشط للمطالبة بالإنفصال أو الإستقلال عن الدولة الإتحادية!!.. ففي بريطانيا (المملكة المتحدة) هناك حركة إنفصالية في إيرلندا وأخرى في سكوتلندا !!.. وفي الولايات المتحدة الجنوبية هناك مجموعات إنفصالية وفوضوية معادية للحكومة الفيدرالية وتدعو إلى إستقلال ولاياتهم عن الإتحاد الإمريكي!.
هل تحتاج ليبيا للفيدرالية!؟
لهذا علينا أن نسأل أنفسنا لماذا نريد الفيدرالية !؟.. هل هو حنين للماضي الجميل؟ أم هو رغبة في التجديد أو رغية في العودة إلى التقسيم الإداري على أساس الجهات الثلاث وبالتالي إحياء "برقة" من جديد وكذلك "فزان" و"طرابلس الكبرى" التي تشمل كل غرب ليبيا !!!؟.. أم أن الغاية هي التخلص من النظام المركزي الفاشل غير المناسب لظروف ليبيا الجغرافية مترامية الأطراف؟؟؟.. لا شك عندي أن الدافع الحقيقي للمخلصين هو هذا السبب الأخير!.. أي التخلص من المركزية المفرطة؟.. ولكن هل الحل في الفيدرالية؟؟؟..أم هناك حل آخر غير الفيدرالية ؟؟؟.
هل لا حل للمركزية إلا الفيدرالية؟
كما ذكرت لكم فأنا كنت من أشد المتحمسين والداعيين للنظام الفيدرالي (الإتحادي) إلى وقت قريب حيث كنت أروج يومها لا لفكرة العودة لنظام الولايات الليبية المتحدة (برقة وطرابلس وفزان) بل لفكرة فيدرالية المدن الليبية المتحدة بحيث تتحول كل مدينة كما لو أنها ولاية أو مقاطعة تتمتع بإستقلالية كبيرة عن السلطة الوطنية المركزية بحيث يكون لكل مدينة "برلمان" محلي منتخب من قبل "شعب المدينة" تنبثق عنه "حكومة محلية" تدير شئون هذه المدينة!.. هذا ما كنت أعتقد أفضليته لليبيا الجديدة سابقا ً إلا أنني بإطلاعي على "نظام الحكم المحلي" في بريطانيا من حيث النظرية والتطبيق وجدت فيه ضالتنا لمكافحة الديكتاتورية الإدارية المتمثلة في المركزية المفرطة وكذلك فهو أقرب لروح الديموقراطية إذ أنه يحقق إرادة شعب كل مدينة من خلال السلطات الواسعة التي يتمتع بها "مجلس المدينة" المنتخب City Council فهو بمثابة "برلمان محلي" تتحقق من خلاله كل مزايا الحكم الفيدرالي والحكم الذاتي ولكن دون حاجة للنظام الفيدرالي الإتحادي.. فكل مدينة وفق "نظام الحكم المحلي" واسع الصلاحيات كالذي مطبق في بريطانيا ستتمتع المدن والقرى بما يشبه "الحكم الذاتي" و"الإدارة الذاتية" وستكون صلاحيات البرلمان الوطني (مجلس الأمة) والحكومة المركزية محدودة جدا ً وفي أضيق الحدود فيما يتعلق بشئون المدن .. ووفق هذا النظام سيعمل سكان كل مدينة على تنمية وتطوير مدينتهم وفرض الضرائب المناسبة على أنفسهم لتحقيق النفع العام في هذه المدينة ولن نحتاج بالتالي للنظام الإتحادي "الفيدرالي" شديد التعقيد وكبير الكلفة بل والذي قد يعزز روح الجهوية أو القبلية أو العنصرية إذا لم يتم على أساس المدن بل على أساس جهوي جغرافي (شرق/غرب/جنوب!!) أو على أساس عرقي ديموغرافي (عرب/أماويغ/تبو) !!!.
نظام الحكم المحلي هو الأسهل والأسلم!
لذا فالحل الأفضل والأسلم لليبيا – من وجهة نظري – لا في "الفيدرالية" بل في إقامة تقسيمنا الإداري على أساس المدن وتطبيق نظام الحكم المحلي واسع الصلاحيات كما هو مطبق في "بريطانيا" من خلال نظام "حكم المجالس" المنتخبة أي "مجالس المدينة" خصوصا ً أن هذه الثورة هي ثورة "مدن" ثائرة .. لذا فيحق لشعوب هذه المدن الحرة أن تتمتع بحكم نظام محلي واسع الصلاحيات يحس فيه كل شعب مدينة بأنه بالفعل هو سيد نفسه وصاحب قراره!.
فهذا هو تصوري لليبيا الجديدة .. ليبيا الواحدة لا المتحدة .. ليبيا التي تجمع بين الوحدة الوطنية والإدارة اللامركزية للمدن .. ليبيا كدولة وطنية ديموقراطية مسلمة موحدة تتمتع بنظام حكم محلي واسع الصلاحيات يعزز سلطات المدن المحلية ويترك كل مدينة تحاول من خلال نشاط ومسؤولية أهلها بناء وتنمية وتطوير نفسها من خلال "مجلس المدينة" المنتخب.
النظام المحلي على أساس المدن يعزز الروح المدنية!؟
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن التركيز على هذا التقسيم الإداري على أساس المدن سيعزز أيضا ً الروح المدنية وروح الولاء للمدينة في مواجهة الولاء للقبيلة أو الولاء للجهة (شرق غرب جنوب!!!؟) فسكان المدينة مواطنين متساويين في المواطنة وفي الإنتماء لهذه المدينة (الحاضرة) بغض النظر عن قبائلهم وجهاتهم وأعراقهم فالمدينة مدينتهم جميعا بلا إستثناء ولا إقصاء .. كما أن تنقل المواطنين الليبيين من مدينة لأخرى أمر متاح ومشروع فليبيا أرض كل الليبيين .. ولا بأس من أن تتنافس هذه المدن الحرة فيما بينها على تحقيق أفضل مستويات المعيشة لسكانها ولا بأس من أن ترصد الدولة جائزة لأفضل مدينة في بعض المجالات الحضارية والنهضوية مثل جائزة أفضل مدينة في مجال محو الأمية أو في مجال مكافحة الجريمة والبطالة أو في مجال حل أزمة الإسكان أو في مجال أفضل معدلات التنمية البشرية أو في مجال تحقيق الرفاهية والعدالة الإجتماعية للسكان أو في مجال جمال المدينة أو في مجال النظافة .....إلخ ... وفي ذلك فليتنافس المتنافسون!.. وهكذا يكون نظامنا الإداري يقوم على نظام الحكم المحلي حيث تتمتع كل مدينة كبيرة أو صغيرة بل وحتى كل قرية أو واحة بما يشبه الحكم الذاتي في إدارة شئونها وتنمية ذاتها وإمكاناتها وتحسين معيشة أهلها وفق نظام الحكم المحلي الذي يُمكّن "مجلس المدينة" من التمتع بصلاحيات تشريعية محلية في ظل وحدة الدستور والوطن والدولة ولا تكون بالتالي هناك حاجة ملحة للجوء إلى النظام الإتحادي الفيدرالي!.. هذا رأيي والله أعلم بالخير والصواب؟.
سليم الرقعي
No comments:
Post a Comment