تكاثرت الظباء على خراش ** فما يدري خراش ما يصيد
هذا البيت ينطبق على كل من يحاول رصد ثورة 17 فبراير في ليبيا الحبيبة . فكثيرة هي الأفكار , وأكثر منها انجازات هذه الثورة المباركة , ولكن الأكثر منهما هي محاولة الكتابة عن الإنسان ,
الإنسان المسلم العربي الليبي , كم نحتاج من الوقت لكي نحيط بهذا المارد الذي لم يدهشنا نحن العرب فقط . بل أدهش العالم كله؟ ,
هل نتكلم عن شبابه الثائر الذي واجه الرصاص بصدور عارية؟ , وتحول فجأة من شباب مرفه كعادة الشباب . يهمه ويشغل باله فقط ما يلبس , وكيف يصفف شعره , وآخر العاب "البلي ستيشن" , وآخر صرعات الموسيقى والغناء . حتى ظن بهم الظنون ,
ولكن عندما حان نداء الحرية ودقت طبول الكرامة . وجدت أن هذا الشباب في المقدمة . يتلقى رصاص الغدر وهو يرجوا أن يتلقاها , فيلقى الله شهيد . وإذا بالعاب "البلي ستيشن" تصبح أداة تدريب , تدرب بها على القتال , فأدهشنا وحيرنا , وإذا بالتدلل الذي اتهم به الشباب , تحول إلى فترة راحة ليؤهل نفسه لمشاق لم تر البشرية مثلها في عصرنا هذا , وإعداد لأداء مهمة , وأي مهمة , مهمة إعادة الكرامة لا لليبيين فقط ولا للعرب فقط بل وللمسلمين في كافة زوايا الأرض . وإذا بهم يكذبون الشاعر الذي تغني الآلاف بقوله " نحن الشباب لنا الغد " فيقولون له دونك , قف . فنحن الشباب الليبي وصلنا إلى الغد فلنا اليوم وما بعده , ولن نستسلم فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا . فكانوا فتيل الثورة ووقودها وشعلتها المتوقدة .
أم هل نكتب عن عمّاله ومهندسيه وأطباءه وممرضيه , وطبقته الوسطى ؟ . من أمثال الشهيد البطل المهدي زيو . وكيف كانوا يدا واحدة مع الشباب . أعانوه بالمال والدم والفكر , بل وأكثر من ذلك , لقد أصبح الليبي يخيف كبار مصانع الأسلحة في العالم . فالمهندس , وعمال المصانع تحولوا إلى صانعي أسلحة منعت عنهم . وإذا بالليبي يقول لهم . " إن منعتم عنا السلاح فسنصنعه نحن " . وكانت المفاجئة الكبرى , ولأول مرة , يُصنّع سلاحٌ بيد شعب لا بيد مختبرات أوربية أو شرقية . وإذا بالسلاح ينتقل فجأة من مرحلة التصميم إلى مرحلة التصنيع والتجريب والتطوير ثم الاستخدام الفعلي خلال أيام , لا أسابيع ولا أشهر ولا سنين .
والأعجب إن الذي صنّع هذه الأسلحة لم يمسك سلاحاً من قبل . ولم يفكر فيه . بل كان رب أسرة , كل همه وضع كساء على جسد أبنائه وطعام على مائدتهم .
تغيرت توجهاتهم واهتماماتهم , فأصبحت سلامتهم وحاجات أبنائهم في مرتبة ثانية , والكرامة وليبيا تصدرت اهتماماتهم , فأخذت ليبيا كل فكرة , وأقولها صادقا , إن اليابان والصين وكوريا واندونيسيا وماليزيا , يأخذون كل معلومة ممكنة عن الأسلحة التي يصنعها ثوار ليبيا , وقد سألني احد رجال الصناعة في اليابان أن أترجم له بضع فيديوهات نشرت على الإنترنت , إلى اللغة اليابانية . وعندما ناقشته حول هذا الموضوع , قال لي إنه يحاول ان يعرف كيف حدث هذا التحول للإنسان الليبي ، من رجل كنا نظن فيه العجز والكسل والجهل إلى مُصنّع لأسلحة تستخدم بالفعل . بل وثبتت كفاءتها .
ذكرت هذا كمثال فقط لا كحصر . ولا سبيل لحصر ما فعله هؤلاء الرجال . في مختلف نواحي الحياة بعد تفجر الثورة .
أم أكتب عن نخب صمتت دهراً , عارضت أفعال السلطة الحاكمة . ولكنها لم تستطع التحرك , وأضحت فئة مهمشة وإذ بها تنتفض فجأة لتكوّن حكومة . وأي حكومة ؟ حكومة حرب , حكومة أزمة , لا بل وأكثر من ذلك . تولت مهمة تستغرق أممٌ أخرى أعواماً وعقوداً لتحقيقها , مهمة إنشاء نظام في دولة لم تعرف النظام ولا المجتمع المدني ومؤسساته لفترة تزيد عن عمر أكثرهم . دولة عاشت تحت وهم كبير اسمه نظام الجماهيرية وسلطات الشعب الذي يحكم . بينما كان الهدف من اللا نظام الذي كان سائدا تفتيت المسئولية . فلا مسؤول يُحاسَب ولا سارق من كبار القوم يُسأل .
فالشعب يحكم ولكن لا قرارَ حقيقياً بيده , ويملك النفط ولكن لا يحصل على دخله , ولجان شعبية ومؤتمرات شعبية تصلها القرارات جاهزة , وويل لمن يعترض . هبت هذه النخب فكونت حكومة انتقالية وأسست منظمات للمجتمع المدني , ونجحت أيما نجاح . فخلال أشهر فقط فعلت ما لم يفعله النظام السابق خلال أكثر من أربعة عقود . تمكن من إعادة الشعور بالكرامة للفرد الليبي . وإعادة احترام شعوب الأرض كلها من شرقيها وغربيها للإنسان الليبي ولدولة اسمها ليبيا .
مجلد واحد لا يكفي للكتابة عن الشعب الليبي . فكيف بمقال من أسطر بالعدد . سألقاكم بإذن الله في الجزء الثاني من هذه المقال حيث سنتكلم عن المرأة الليبية والمهجّرون والمبعدون الليبيون ولمحة ضوء على دورهم في " ثورة الفرسان " ثورة 17 فبراير . واسمحوا لي أن أدعوها ب " ثورة الفرسان " . فهم فرسان حق وليسوا كما دعاهم الدعيّ . وكيدا له فرجالها فرسان تحارب وتنتصر في كل ميدان .
وإلى لقاء قريب بإذن الله ... وعلى درب الحرية والكرامة نلتقي .
__________________
صالح بن عبدالله السليمان
مسلم عربي سعودي
خاص المنارة الورقية
No comments:
Post a Comment