الصحافة الليبية بين عهدين


الصحافة الليبية بين عهدين

بنغازي/ عبدالسلام الزغيبي

يعود تاريخ الصحافة والصحف المستقلة في ليبيا إلى منتصف القرن التاسع عشر، عندما كانت ليبيا ولاية عثمانية. ومن أوائل هذه الصحف صحيفة "طرابلس الغرب" عام 1866، وصحيفة "الترقي" عام 1897. و أثناء الاستعمار الفاشي لليبيا كانت هناك صحافة تتمتع بهامش من الحرية، وتدعم إخباريا ومعنويا جهود الليبيين في التخلص من الاستعمار، على الرغم من الرقابة المفروضة من قبل الإيطاليين عليها، ومنها على سبيل المثال مجلة "ليبيا المصورة" عام 1935 . وشهدت الصحافة الليبيّة حالات من الانتعاش والازدهار في مرحلة الانتداب الانجليزي على ليبيا .

استقرت الصحافة الليبيّة ،إلى حد كبير ،طوال 17 عاماً من حكم الملك إدريس السّنوسي (من 24
ديسمبر/كانون أوّل 1951م إلى 31 أغسطس/ أب 1969م ) حيث غاب مقص الرقيب إلى حد بعيد، وازدهرت حريّة الفكر والإبداع، ووصل عدد المطبوعات الإعلاميّة إلى أكثر من 35 صحيفة ومجلة يوميّة وأسبوعيّة.
شهدت الصحافة الليبيّة الانتكاسة الخطيرة والكبيرة بعد استيلاء معمّر ألقذافي على السّلطة في سبتمبر/ أيلول 1969م، واستمر هذا الحال حتى انتفاضة 17 فبراير 2011 حيث توجد الآن أكثر من مائة مطبوعة ، مابين نشرة وصحيفة يومية وأسبوعية ونصف شهرية، تصدر في المناطق المحررة من ليبيا وبالأخص في مدينة بنغازي. وهذه المطبوعات تصدر عن جمعيات شبابية وصحفيين مخضرمين، تتنوع في العناوين والإخراج لكن أهدافها وشعاراتها واحدة وتدور كلها حول ليبيا بعد انتفاضة 17 فبراير.
وسط هذا الزخم والتنوع نشهد سباقا محموما من اجل إصدار المطبوعات، لكن الكثير من هذه المطبوعات لا يرتقي للمستوى المطلوب ويفتقر إلى الشكل الفني الصحفي وبها أخطاء واضحة في الصياغة والإخراج إلى جانب الأخطاء اللغوية .وهذا النوع من المطبوعات قد لا يستطيع الاستمرار وسيتوقف في نهاية المطاف
لأسباب مادية ومهنية.
لكن هذا لا يعني أنه لا توجد مطبوعات تقوم على الأسس الصحيحة للصحافة ولها قيمتها الصحفية المهمة إلا أن مستقبلها مرهون بمدى قدرتها على الاستقلالية وإمكانياتها المالية.
ورغم كل هذا فان هذا الزخم الهائل من المطبوعات التي تساهم في تشكيل وتنوير الرأي العام ، هو ظاهرة ايجابية في بلد افتقد الصحافة الحرة لأربع عقود كاملة هيمنت فيها صحافة الرأي الواحد في جماهيرية حكم الفرد في ليبيا. وهو يشير إلى عدة حقائق منها التعطش إلى الحرية والرغبة الملحة على إبداء الرأي الذي كبت لعقود طويلة. .ومنها التأكيد على أن الشعب تنفس الصعداء وبدأ يتذوق طعم الحرية وتهب عليه نسائمها التي حرم منها طيلة السنوات العجاف ، فلقد عاني الشعب كثيرا ، من نظام قضى على الأخضر واليابس ، وأهلك الزرع والضرع، وجثم صدور الشعب وكتم أنفاسه .عطل العقول وغيب الإبداع . ومنها أيضا إن الناس لديها حنين جارف لصحافة حرة ومقروءة ، تخرجه من مستنقع صحف الرأي الواحد التي لا تكاد تساوى قيمة الورق الذي طبعت عليه .
لقد شن القذافي حربا شعواء الكلمة الحرة بعد عامين فقط من تسلمه زمام الأمور في ليبيا .وأحتكر لنفسه الحق في الكتابة والكلام من خلال وريقات صفراء تسمى عبثا صحافة !
كان الحال مختلفا أشد الاختلاف في فترة الحكم الملكي الذي أصدر قانون للصحافة في عام 1959 ينص على إن الصحافة حرة ولكل شخص الحق في حرية التعبير عن رأيه وفي إذاعة الآراء والأنباء بمختلف الوسائل.
وأعطى قانون عام 1959 الحق لكل مواطن أو أجنبي مقيم في ليبيا الحق في إصدار صحيفة أو مجلة أو إنشاء إذاعة، ولم يضع القانون على أي شروط تلزم صاحب الصحيفة بأن يتبع سياسات الحكومة وتوجيهات السلطة. كما حدث في عهد القذافي الذي اصدر قانونا ( 76 لعام )1972 ينص في مادته الخامسة على أنه لا يجوز لأي إنسان إصدار صحيفة أو إنشاء مطبوعة ( ما لم يكن مؤمنا بالثورة وأهدافها) !!
وبين هذا وذاك فإن ما نريده اليوم هو صحافة تتمتع بالحرية والديمقراطية والمصداقية، صحافة النقد البناء الذي يرتقي إلى مستوى المسؤولية، صحافة تساهم في تشكيل رأي عام واع وقادر على الاعتراض والضغط من أجل تصحيح المسارات الخاطئة. صحافة تمثل مكون من مكونات الثقافة السياسية الجديدة والمنشودة في ليبيا والتي تقوم على حرية التفكير والتعبير ..



No comments:

Post a Comment

Followers

Pageviews