يهل علينا رمضان هذه المرة بطعم مختلف وروح جديدة، فهو أول رمضان لنا، ونحن في طريقنا للتخلص من القذافي، الذي نكّد علينا حياتنا ، حتى أعيادنا كانت تمر حزينة كئيبة ، وكنا فيها متفرقين، جسمنا واحد وقلوبنا شتى !.. وكان القذافي يتفنن مع قدوم الشهر الكريم في التنغيص على حياتنا ، نصوم بمشيئته، ونفطر على هواه.
ولم يكتف طاغية العصر ونيرون الجديد، بتلك المهازل والخزعبلات التي يأتي بها في شهر رمضان.. ولكنه ربط هذا الشهر بقصص مؤلمة يتذكرها الليبيون بحزن شديد..
لا يستطيع ليبي واحد أن ينسى رمضان عام 1984 أو ما يطلق عليه ( رمضان المشانق) ذلك الشهر الأليم الحزين، الذي قال فيه القذافي ( الذي لقبته إحدى منظمات السمسرة والتدجيل بالمسلم العالمي الأول) قال: "شفتوا الإعدامات زي السلام عليكم في شهر رمضان. لا حرام ولا واحد. مافيهاش حرام. هذه عبادة. والله العظيم لما تفطس هذه الأشكال. بدو يشنقوا فيهم في المؤتمرات بلا محاكمة. أنت كلب ضال حطه في المشنقة!!!"
هكذا بدون أية محاكمة.. وبدون أية شكل من أشكال حقوق الإنسان أو حتى الحيوان!
وكان من ضمن هؤلاء الذين شنقوا في احد أيام شهر رمضان، مهندس الطيران ( صادق حامد الشويهدي) الذي اعدم في نفس المكان الذي كان يمارس فيه هواية لعب كرة السلة ( ملعب بنغازي لكرة السلة).
في يوم مشمس شديد الحرارة ،من أيام شهر مايو من عام 1984، تم نقل الآلاف من طلاب المدارس والتلاميذ الصغار إلى ملعب بنغازي لكرة السلة، ليس لمشاهدة مباراة في كرة السلة بل لمشاهدة عملية إعدام ! .لشاب عمره 30 عاما وتهمته، حسب المحاكم الثورية ، هي التآمر لاغتيال قائد الثورة. وقد وصفته المحكمة بأنه "إرهابي من الإخوان المسلمين، وعميل لأميركا".
وفي بداية المسرحية المفزعة والمخجلة يساق الشويهدي مكبل اليدين، يجلس وحيدا وسط وسط الملعب، وهو يبكي معترفا بجريمة انضمامه "للكلاب الضالة"- وهو التعبير الذي كان مستخدما من القذافي وأجهزة إعلامه لوصف المعارضة الليبية ومصير كل من يتهم به كان الإعدام.
وأثناء عملية تنفيذ الشنق تدخل راهبة ثورية تدعى ( هدى بن عامر)، وهي تصرخ داخل الحشد و تلوح بقبضتيها. وتقول ( مانبوش كلام اللسان نبو شنقه في الميدان)،( صفيهم بالدم يا قايد... سير ولا تهتم) الرصاص خسارة فيهم...عود وقيد أنولع فيهم( ، ثم تسحب ساقي الشويهدي في عرض متحمس، بينما يتأرجح جسمه على المشنقة، التي أعدت بسرعة، وحبلها غير موثق بعناية في العارضة الخشبية العلوية، وعندما تم إنزال الشهيد من على حبل المشنقة، قام أحد الأطباء بفحصه للتأكد من وفاته، وكانت المفاجأة أن الصادق لازال حياً، فتم نقله بسرعة إلى المستشفى، حيث أجرى له الأطباء عملية تنفس صناعي، وأخذت أنفاس الشهيد في الانتظام، وتم الاتصال بالقذافي وإبلاغه بالأمر، فأصدر تعليمات مشدّدة بوجوب الإجهاز عليه، وحينما رفض الأطباء القيام بذلك، قام"الثوريون"بتنفيذ المهمة القذرة، وقتل الصادق!.
ومنذ ذلك الوقت أصبحت الراهبة الثورية بن عامر مرضي عنها وكوفئت بتقلدها مناصب رفيعة في الدولة، (عميدة بلدية بنغازي- رئيسة الرقابة الإدارية ) !.
وعملية الإعدام المشينة هذه لم تكن الأخيرة في تلك السنة، فهناك عمليات شنق أخرى جري بثها في حينها ، وأعاد التلفزيون الليبي بثها مرات عديدة، عندما كانت تتطلب الضرورة ولتذكير الناس بمصير من يتجرأ ويعارض نظام القذافي الطاغوت .
إنها ذكريات مؤلمة عشناها جميعا في شهر رمضان.. شهر الرحمة والغفران.. ذكريات وجبة الإعدامات، التي نفذها الرئيس الليبي معمر القذافي بحق عدد من المواطنين الليبيين في شهر رمضان، بحيث بات الشهر الكريم يذكر الكثير من الليبيين بآلام بطش القذافي بهم.
ونحن نستقبل شهر رمضان.. أحوج ما نكون إلى إصلاح النفوس، والى الوحدة والمحبة والإخاء والأُلفة والتسامح التكاثف والتضامن والالتقاء على قلب واحد، ونية واحدة، وروح جديدة، ونوايا صادقة مخلصة، لهذا الوطن، ولهذه الثورة المباركة.
نرفع فيه الدعاء للمولى عز وجل أن ينصر ثورتنا ويسدد خطانا ويخلصنا من هذا الطاغية وأزلامه ويعجل بنهايته قبل انتهاء الشهر، والله على كل شيء قدير.
No comments:
Post a Comment