صالح بن عبدالله السليمان : هل أسلم بابا الفاتيكان ؟


كل من يحاول الكتابة في الشأن الليبي يجد نفسه أمام كم هائل من المواضيع التي يحب أن يغطيها , مواضيع تتعلق بالجبهات وتطورها وبالحياة الاجتماعية قبل وأثناء الثورة والأمل في ما بعد اكتمالها , ويجد وراء كل شهيد قصة ووراء كل دمعة رواية ووراء  كل بسمة قصيدة .

وبسبب تزاحم هذه المواضيع يجد الكاتب نفسه عاجزا عن الاختيار , كأنه طفل دخل محل حلويات أو سيدة  دخلت محل مجوهرات
ولكن هنالك نقطة تلح علي أن أتحدث بها , ولا تخلو من مفارقة , وتقلب موازين المنطق العلمي والقياس والاستقراء والبحث والفرض والنتيجة ولا تستطيع أن تخرج منها إلا بضحكة , أو أن تقول اللهم لا شماتة.
كلنا سمع ويسمع من إعلام القذافي عن الحرب الصليبية التي يتعرض لها . وان الغرب الصليبي أتى ليستعمر ارض ليبيا , وأنه هو من وقف ويقف ضد هذا الغزو الصليبي .
وبذات المنطق يتحدث بعض مثقفي العرب ومحلليهم . ويرددون نفس الكلمات , وإن كانوا يغلفونها ببعض الترهات وبعض الملابسات التي لا تستقيم مع واقع الحال , فتجدهم يتعلقون بزيارة شخص ذو ميول لا تناسب توجهاتهم إلى المناطق المحررة  , مع أن زيارته ليست بصفة شخصية بل بصفة رسمية , ويجعلون الثورة كلها تدور في فلك هذه الزيارة ,
وبذات المنطق نجد أعوان القذافي وكتائبه  تردد عبارة الغزو الصليبي وان الثوار هم أعوان الغازي الصليبي . وأنهم يحاربون الصليبين . بل وقسموا العالم إلى قسمين قسم يحارب الصليبين وقسم خائن يساعد الصليبين ,
لا أعلم هل اضحك على هذا الإدعاء , أم أبكي على من يضحي بنفسه ووطنه وأهله وشعبة من اجل ادعاء , اقل ما يقال عنه انه تافه ولا يصمد أمام أي محاولة ساذجة للبحث , فتكذيب هذا الإدعاء لا يستحق منا عناء البحث والتنقيب واكتشاف المستور وكشف وثائق أو مستندات . بل كل ما سأسرد هنا هو من فم نظام القذافي , ومن فم ابنه ومن إعلامه , وعندما يأتي الإثبات من فم المدعى عليه فهو الأصح والأصدق , فأن الاعتراف سيد الأدلة , كما يقول الحقوقيون ,

سؤالنا الذي نطرحه وسيجيبنا عليه القذافي وابنه وأعلامه , هو :-
هل الذي يحدث في ليبيا غزو صليبي؟   ولن أجيب عنه, ساترك للقارئ أن يجيب عليه بنفسه بعد قراءة البراهين .
بالطبع كلنا يعلم أن حلف الناتو يقود الحملة الدولية لفرض الحظر الجوي وحماية المدنيين في ليبيا ولكنه ليس الوحيد في الحملة , ففيه دول إسلامية مثل تركيا والإمارات وقطر والأردن وكثير من الدول الأخرى تؤيده ولكن لا تساهم فيه وعلى رأس هذه الدول المملكة العربية السعودية  (والتي أتمنى أنا كسعودي ومعظم الشعب السعودي وعلماءه أن تكون مساهمة المملكة علنية) والكويت وماليزيا و باكستان . فهل هذه الدول كلها بحكوماتها وشعوبها مؤيدة للغزو الصليبي لليبيا ؟ سؤال يستحق أن نتوقف عنده .
ولكن ليس هذا سؤالنا الأهم . بل الأهم منه , مع من يقف بابا الفاتيكان ؟ وهو الذي يتربع على قمة الهرم الصليبي في العالم وهو الذي يعمل على نشر المسيحية في العالم ,
وبكل وضوح وبدون مواربة نجد أن سفير البابا في طرابلس يقف قلبا وقالبا ضد الحملة الأممية بل ويؤيد القذافي في كل مناسبة . وجميع تصريحاته التي تنشرها له وكالة أخبار الفاتيكان ووكالات الأخبار الإيطالية تقف إلى جانب القذافي , فمثلا
  في تصريح له لوكالة "فيديس" الفاتيكانية ونقلتها عنه صحيفة الوطن التابعة لنظام القذافي :-
(( أعرب القاصد ألرسولي في طرابلس المونسنيور جوفانّي مارتينيللي عن "الدهشة لضرب منزل المواطن الخويلدي الحميدي، فلا أعتقد أنه كان مركزا عسكريا ،وقد زرت هذا البيت عدة مرات، وقد بدا لي كأي بيت اعتيادي الشخص  ووصف الحميدي بالمنفتح والقريب من الناس والودي للغاية معربا عن "الشعور بالأسى أن جزءا كبيرا من عائلته سقط تحت وطأة القنابل"
ومرة ثانية عندما صدرت مذكرة محكمة الجنايات الدولية بإلقاء القبض على مجرم الحرب معمر القذافي صرح سفير البابا في طرابلس  لوكالة "آكي " الإيطالية والمقربة من البابا "إن ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية للرئيس الليبي العقيد معمر القذافي وإصدار مذكرة توقيف بحقه تعتبر "كصب الوقود على النار" "
بالطبع كان هذا السفير هو شاهد الإثبات على مقتل سيف العرب والأحفاد الثلاثة , وهو الشاهد على إن بيت الخويلدي الحميدي مدنيا وليس عسكريا , كأنه فتش البيت كاملا قبل قصفه.
فهل يا ترى أسلم بابا الفاتيكان وسفير البابا في طرابلس سرا؟ . وأصبحوا يقاومون الصليبيين ؟ هل يقف البابا الذي يرأس العالم الصليبي مع معمر لأنه مسلم أو لأنه هو الأنفع ولأفضل للصليبيين ؟
وأشد ما يثير الاستغراب في  موقف البابا وموقف سفيرة في طرابلس , والذي من المفروض أن يصدر عن اكبر مسئول عن الصليبية في العالم , وهو يسمع الاتهامات تكال لدينه ولمن يمثل مصالحهم , أن يخرج للأعلام ليدافع عنه , ليقول إن المسيحية براء من هذه الإدعاءات , ولكن سكوته وسكوت سفيره  المقيم في طرابلس ويسمع الاتهامات تتالي , مئات  بل الآلاف المرات يوميا ولا يرد عليها , و الأنكى  من ذلك أن يؤيد من يتهمه ويقف إلى جنبه وإلى جواره ويصادق على جميع ادعاءاته , بل ولم يخرج لا ليستنكر ولا ليبرر بل ليؤيد من يتهمه . انه والله لشيء عجيب ,
خرج علينا البابا وخرج علينا سفيرة في طرابلس يستنكرون الحرب على القذافي , ولكن لم نسمع عن هذا السفير انه زار بنغازي أو غيرها ولم نسمع عنه انه استنكر قتل المدنيين علي بعد كيلومترات قلائل عنه في طرابلس أو مصراتة أو الزاوية .

 خرج علينا القذافي علنا وبالصوت والصورة وعبر وسائل الأعلام كلها في مقابلة مصورة متلفزة بثت في أرجاء المعمورة وموجودة على موقع الإنترنت يقول فيها إن نظامه هو حماية لأمن إسرائيل , وان زوال نظامه يعرض أمن إسرائيل للخطر . هل يتصور عاقل أن الصليبية جاءت لتحارب على ارض ليبيا لكي تعرّض أمن إسرائيل للخطر ؟ أم إنها حملة دولية أممية جاءت من مختلف شعوب العالم وأديانه لكي تحمي مدنيين عزل ضربوا بالأسلحة الثقيلة وبالصواريخ  ؟ أيهما اقرب للتصديق ؟

خرج علينا سيف ابن معمر (وكان يعد له أن يكون خليفته ) بتصريح متلفز أيضا وبالصوت والصورة , يطلب من دول أوربا وقادتها أن يأتوا ليتباحثوا معه فهو سيعطيهم كل ما يطلبون , البترول والغاز وسيشترى منهم الأسلحة التي يرغبون أن يبيعوها له , وأن المجلس الوطني الانتقالي لن يعطيهم أي شي , ولن يحافظ على مصالحهم .

أنا أعلم تمام العلم أن معظم من سيقرأ هذا , يعلم تمام العلم بزيف الإدعاءات , ولكن للأسف مازلت أرى وأسمع بعض المؤيدين وبعض النخب تردد هذه الأقوال التي يكذبها القائلون بها .
تجدهم ينبشون في أوراقهم وفي زويا الأخبار علهم يجدون مدخلا يصدقون به ما يزعمون , كمن يحمل فانوسا يستنير به في رابعة النهار , ولكن لماذا ؟
وهذا الاستغراب الأكبر , هل هم ممن يكذب الكذبة ويصدقها ؟

الثورة الليبية ثورة شعب ضاق بالظلم والقهر والاستعباد , ضاق بالفساد وسرقة الأموال وسوء استخدام الموارد , ضاق بالحاكم وأسرته وأشياعه وزبانيته ولجانه الثورية , ضاق بالتهميش والتجهيل والتفرقة والتمييز . ضاق بالكفر والمعصية وبالكتاب الأخضر وبالمؤتمرات الشعبية التي لا تحمل أي مضمون , ضاق بحكومة ونظام لا قانون له ولا دستور يحكمه .
تحمّل ذلك أكثر من أربعة عقود , تحمل ما يتحمله شعب آخر , يحكمه حاكم كأنه مهرجا في سيرك أو ممثلا في مسرحية كوميدية سيئة الإخراج .

خرج يقول كفي . جوبه بالرصاص والقتل والاغتصاب , فوجب عليه حماية نفسه وماله ووطنه ,
هذه هي الحقيقة المجردة , هذه هي الحقيقة المطلقة , هذا هو جوهر الحقيقة
فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ,
الثورة ناجحة بنصر من الله , ولن يستعمر ليبيا سوى أهلها ولن يعمر ليبيا سوى شبابها ,
سيرحب الليبيون بأي تعاون مبني على احترام خصوصية الآخر وحريته وكرامته , ولن يقعوا ضحية استعمار ثالث , فكفي مرة استعمار خارجي ومرة استعمار داخلي , مرة ظالم خارجي ومرة ظالم داخلي , وبعون الله لن يكون هناك أي نوع من الاستعمار والظلم في ليبيا بعد اليوم
وفق الله أحرار ليبيا وجمع كلمتهم على الحق
صالح بن عبدالله السليمان
كاتب مسلم عربي سعودي






No comments:

Post a Comment

Followers

Pageviews