في ذكرى فتح مكة نستبشر بفتح باب العزيزية.*
الدكتور صهيب السقاز
استمع إلى قصتين في قصة واحدة:
استمع وفتش بحسن استماعك عن نقاط التشابه والاختلاف في القصتين:
اتفقوا على اغتياله وهو نائم في داره ظلما وعدوانا. لكن الله نجاه وأخرجه من داره.
ترك لهم البلاد وخرج منها سرا. لكن الظالمين لم يتركوه في حاله، دفعوا الأموال لملاحقته خارج بلده، ترك لهم البلاد وخرج منها سرا، لكنهم ظالمون غاشمون لم يتركوه في حاله، أرسلوا فِرَقا لمهاجمته في بلده التي لجأ إليها. حقدُهم عليه تمكن في قلوبهم وقلوب زوجاتهم وأبنائهم.
عائلة الظالم كلها تلاحقه، لما نجا بنفسه بلغ من حقد زوجة الظالم الغاشم أن تقترح نبش قبر أمه.
قتلوا أحب الناس إليه من أصحابه. قتلوا أخاه من الرضاعة. قتلوا عمه
لم يكتفوا بالقتل مثلوا بأجساد القتلى. قطعوا الآذان والأنوف والفروج.
زوجة الظالم الغاشم جمعت الآذان والأنوف. جمعتها وصنعت منها قلادة في عنقها وخلخالا في قدمها
تمضي الأيام ويقلب الله فيها الأحوال. من كان يبطش ويظلم يصبح خائفا.
هنا ستفترق قصة المعارضة الليبية عن السيرة النبوية.
هذه أول مرة سيقف الظالم الغاشم هو وزوجته أمام النبي r. وإلى هذه اللحظة لم يقف المظلوم الليبي أمام الطغاة وجها لوجه. من هذه اللحظة يجب أن يتعلم الملاحقون والمهجرون ومن قتل إخوانهم. من هذه اللحظة التي ينتصر فيها المظلوم ويقف وجها لوجه مع ظالميه.
بعد كل الأموال التي دفعها أبو سفيان لحرب النبي r، بعد قتال النبي في بدر وأحد والخندق
يقف أبو سفيان أمام محمد r فلما رآه النبي r قال: " ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله ؟ " فقال: بأبى أنت وأمى ! ما أحلمك بأبي أنت وأمي ما أكرمك وأوصلك !
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله.
فقال العباس يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا.
فقال: " نعم، من دخل دار أبى سفيان فهو آمن " " ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن ".
وتأخذ سعدَ بنَ عبادة نشوةُ النصر ينادي وهو يحمل لواء رسول الله على أبواب مكة
اليوم يوم الملحمة اليوم تُستحل الحرمة ولما بلغ ذلك النبي r قال بل اليوم يوم المرحمة وعزل سعدا عن راية الأنصار وأعطاها الزبير بن العوام
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعدَ الناس غضبا وأسرعَهم رضاً صلى الله عليه وسلم.
تَعْلَمُ هندٌ زوجةُ أبي سفيان ما فعلت في أحد وما قبلها وما بعدها
لم تقدر على مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم وهي التي بقرت بطن حمزة ومثلت بجسده ومضغت كبده
وتندس هند مختمرة بين النساء لتبايع النبي صلى الله عليه وسلم على أن أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ
جاءت متنكرة تبايع ورسول الله لا يعرفها لتنكرها فلما بايعت مع النساء على أن لا يسرقن قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح فهل علي إن أصبت قليلا من ماله لعيالي فضحك عمر حتى استلقى وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها.
بالعفو بعد تمام المقدرة جاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا.
هذه تجارب البلاد من حولنا. سقطت الدولة في العراق قبل أعوام. وبدأ الناس في سباق نحو تصفية الحسابات القديمة واستعادة الحقوق المغصوبة. ونحن نشهد أمام أنظارنا أن حساباتهم تفلتت من أيديهم. صار عدد الأرامل واليتامي بالملايين . لما كتبوا تصفية الحسابات واستعادة الحقوق
في أول سطر في الصفحة الجديدة صارت الصفحة الجديدة شرا من الصفحة القديمة
كان ينبغي أن يرجعوا إلى سنة محمد صلى الله عليه وسلم
في مثل هذا الأيام من رمضان فتحَ مكة فخطب في الناس. خطب فيهم ووضع الثأر والانتقام والعصبية تحت قدميه. قال (أَلَا كُلّ مَأْثُرَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ مَالٍ يُدّعَى فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيّ هَاتَيْنِ إلّا سَدَانَةَ الْبَيْتِ وَسِقَايَةَ الْحَاجّ ... يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّ اللّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيّةِ، النّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ { يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ }. ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مَا تُرَوْنَ أَنّي فَاعِلٌ فِيكُمْ ؟ قَالُوا : خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ . قَالَ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطّلَقَاءُ
في الصفحات الجديدة يعلمنا نبينا وضع الثأر والانتقام والعصبية تحت قدميه.وضع الثأر والانتقام والعصبية تحت قدميه.
في ذكرى فتح مكة تعلم ما ينبغي أن يقال عند فتح باب العزيزية . (أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بن عبد المطلب، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ)
مزارعُكم وأراضيكم ليست بأغلى من تراب مكة عند محمد صلى الله عليه وسلم
أرواح شهداءكم ليست بأغلى من روح حمزة عند محمد صلى الله عليه وسلم
الدموع التي سكبتموها على أرواح الشهداء غالية غالية لكن دموع نبيكم على حمزة أغلى وأغزر
ما رُؤي نبيك محمد صلى الله عليه وسلم قط باكيا كما رؤي وهو واقف على جسد عمه وقد بقرت بطنه ومضغت كبده
من لم تجد نفسه بالسماح فليؤخر المطالبة بحقه. ليس هذا زمان المطالبة بالحقوق واستعادة المغتصبات. ليس هذا زمان المحاكمات والمحاسبات . من لم تجد نفسه بعفو ورحمة فليؤخر المطالبة والمحاكمة والعقاب.
قد تضيع بعض الحقوق في ممالك الأرض إذا لم نستغل الفرص لاستردادها.
المؤمن بالله يعلم علم اليقين أن ذرة من حقه لا تضيع أبدا. لماذا يتعجل وهو يعلم أن الله يقتص للدابة الجماء التي لا قرن لها من الدابة القرناء.
عند ربه سجلات وأرشيف لكل مظلمة. وحده كتاب ربي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها
وحده الحكم سبحانه ملك رقاب العبيد والملوك.
نحن عبيد لا نملك إلا السمع والطاعة. إذا ابتلانا مالكنا وخالقنا بما يجب معه الصبر صبرنا
وإذا ابتلانا بما يجب معه بذل الأموال أنفقنا من عرق جبيننا
وإذا ابتلانا بما يجب معه بذل الأرواح قدمنا أنفسنا وأرخصنا شبابنا
وفي هذا الموطن إذا ابتلانا بما يجب معه كظم الغيظ كظمنا وهو حسبنا عليه توكلنا وإليه أسلمنا وفوضنا وهو حسبنا ونعم الوكيل
من أعرض عن درس فتح مكة يتخبط أمام أنظارنا بالدماء والفتن.
أهل العراق سنحت لهم الظروف بتصفية حساباتهم. قسموا العراقيين إلى ظالمين ومظلومين
إلى حزبيين ومضطهدين وبدأ المظلومون بتصفية الحسابات العتيقة واسترداد الحقوق المغصوبة.
دخلوا في دوامة الثأر والانتقام فرأينا أول الدوامة ولم نصل حتى الساعة إلى آخرها
من ذا الذي ترك شيئا لله ولم يعوضه الله عنه؟
اللهم إني أشهدك أني وضعت عن كل مسلم ومسلمة كل مالي عليه من حق في مال أو غيبة أو فوق ذلك أو دونه ما علمت من ذلك ما جهلت.
في ذكرى فتح مكة ينبغي أن نتعلم السنة في استقبال النصر بالخضوع
كان النبي r يظهر أقصى درجات الخضوع لله تعالى عند النصر.
لما فتح مكة دخل إليها خاضعا لربه خافضا لرأسه، حتى إن رأسه الشريفَ ليمسُ عنق ناقته. وبعد دخوله مكة اغتسل وصلى ثماني ركعات سماها بعض الفقهاء صلاة الفتح .
هذه الصلاة صارت سنة لمن اتبع هديه من الفاتحين.
صلاها خالد وصلاها سعد ض في إيوان كسرى ، فاجعل من حفظك لسنة النبي فألا يقرب موعد اتباعها. ثماني ركعات صلاها سعد في إيوان كسرى ونسأل الله أن يعجل بمثلها في باب العزيزية
(وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)
تعلم من سلفك كيف يستعدون لاستقبال النصر.
بالخضوع والسكينة والتواضع لله تلقى خبر نصر الله على إمبراطورية فارس
خرج الفاروق ض إلى أطراف المدينة ينتظر خبر النصر والفتح في القادسية. خرج أياما يسأل الركبان من حين يصبح إلى انتصاف النهار ثم يرجع إلى أهله ومنزله، وفي يوم لقي راكبا قادما من أرض العراق لا يعرفه ولا يعرفه الرجل. فاقترب الفاروق من ناقة الرجل وهو يجد في السير خلفه وقال له يا عبد الله حدثني. فقال الرجل وهو يسير على ناقته والفاروق يباعد الخطا ويسرع بجواره :يا هذا لقد هزم الله المشركين. فكبر الفاروق وظل يسير بجوار ناقة الرجل حتى دخل المدينة فأقبل الناس عليه يسلمون عليه بإمرة المؤمنين، فقال الرجل: هلا أخبرتني رحمك الله أنك أمير المؤمنين! فقال الفاروق: لا بأس عليك يا أخي.
بالخضوع والسكينة والتواضع لله تلقى خبر نصر الله على إمبراطورية فارس
وبمثل هذا التواضع والخضوع لله خرج ليأتي بمفتاح القدس.
لما اقترب من بيت المقدس من الجابية أتوه ببغل مخصوص يُتبختر به في مثل هذه المراسم
فلما ركبه الفاروق وجعل يتبختر من تحته نزل عنه وضرب وجهه وقال لا علَّم الله من علمك هذا من الخيلاء.
بمثل هذا الخضوع والأدب يجب أن نستعد لاستقبال الخبر الذي طال انتظاره.
هذا الأحداث كلها بدأت بحادثة السفارة والنصرة لمحمد صلى الله عليه وسلم
أمرٌ أولُه غيرةٌ ونصرةٌ لمحمد صلى الله عليه وسلم وأوسطُه مطالبةٌ بحقوق شهداء النصرة فاجعلوا آخره اتباعا لسنته في استقبال النصر
اللهم ألهمنا استقبال الخلاص من الظالم بالتكبير والتهليل
اللهم أكرمنا بصلاة الفتح في باب العزيزية.
قربوا النصر والفتح بحسن الاستعداد له.
استعينوا على تعجيله بالاستعداد لسنته. أعِدَوا لباب العزيزية التكبيرَ والتهليل. أعدوا للصلاة فيها.
أعدوا لتعجيل الفتح بالاستفادة من درس الكتيبة. أعدوا لباب العزيزية بالاستعداد لكف أيادي الناهبين والعابثين.
· خطبة الجمعة للشيخ في مسجد المشعر الحرام ببنغازي – حي طابلينو- بتاريخ 19/8/2011
No comments:
Post a Comment