إيمان يحيى : حبيبتي مصراته


هناك أنت ... بين رصاصِ الأسلحةِ وبين صرخاتِ الأطفال واستغاثات النساء ؛ بين آهات الرجال المكبوتة وبين دعوات العجائز المسموعة اللحوحة .... هناك أنت، ولا ادري إن  كنت تتنسم هواء حرية تدفق مع نسائم شهر فبراير .. أو لعلك تكون ممن تقلد المجد وارتاح هناك تحت الثرى .
غريب كيف تتبدل أهوائنا وتتغير أمزجتنا وتميل قلوبنا تارة هنا ... ودهراً هناك، هناك حيث لا شيء عدا الموت المندس بين أزقة الطرق المهجورة التي فاضت برصاصات انهمرت على أولئك المُتجمهرون الغاضبون رافعي رايات الحرية بألوانها الثلاث؛ حمراء... سوداء... خضراء.....
هناك أنت، حيث تبدل الزمان وتغيرت كل ملامح المكان ... هناك تهدم بيت لنا ... بيت لم ترتفع أسواره إلا في مخيلتنا أنا ... وهو... وسط حجرة نوم أطفالنا التي زيناها بألعاب تبعثرت هنا وهناك ووسط زحام الأَسِرة الكثيرة .. أَسِرةِ صغارنا الذين أرَدتهم كُثر... أطفال كُثر، هناك تحطم بيتنا وقُتلت قططي الجميلة ... تلك التي كانت سبب خلافنا الجميل وصُلحنا الأجمل تحت ظل تلك الشجرة التي لطالما ارتوت حتى الثمالة من عذب ماء حبنا الذي اخضرت به ارض حديقتنا الصغيرة .. هناك هدموا بيتنا فوق رؤوسنا لا لشيء إلا لأنه حمل راية الحرية  تلك  بألوانها  الثلاث: حمراء ... سوداء .... خضراء، تلك التي علقناها هناك أنا وأنت على احد أسواره ... هناك أنت.
تقطعت بي السُبل هنا في مدينة كانت شرارة نار استعرت فأكلت اخضراً لطالما استبد فطغى  هنا أنا في بنغازي ... وهناك انت بمصراته الرائعة الصامدة ، آه لكم تبدو المسافات طويلة .. وآه كم تمر الأيام ثقيلة .. وآه من القلق إذا استبد ومن الشوق إذا اشتد.
بي حاجة للبكاء ... عيناي تحتقنان بدموع حارقة، وعلى صفحة وجهي المُتخم بالحزن ارتسمت ملامح وجهك الذي أرى أن الشوق والحزن معاً فعلا به الأفاعيل فلم أجد لي بُداً من أن أطلق العنان لدموعي .. فإذا بها تزيد من سعير نار مُتقدة تلتهم قلبي المتعب من الانتظار ... فأين أنت؟
اكتب إليك بعد ان تقطعت كل وسائل الإتصال بيننا فلم يبقى لي إلا ورق وأقلام تجر أحرف الشوق ورائها متعبة, ينوئها الحمل ولكنها لأجلي تفعل ذلك بكل سرور وحبور، اكتب إليك وأنا أعلم أن ما من سبيل لكي تصل كلماتي هذه إليك ولكني وعلى كل حال سأكتب ربما لأني متأملة وأيضا متمنية أن تُطفئ هذه الكلمات أو أقلها أن تُخفف من سعير نار تضطرم بداخلي وتأكل أحشائي كلما جال برأسي أنك هناك بين الرصاص والقنابل ... بين الموت والعدم نار مُتقدة تلتهم قلبي المتعب من الانتظار.
فليتوقف الرصاص ساعات فقط، ولترجع حياتنا لسابق عهدها حتى ولو لدقائق فقط لا لشيء إلا لكي أتمكن من الاتصال بك لأخبرك أنه ذاب وتغلغل فامتزج مع نخاع العظم ،شوقي إليك ... فأين أنت؟
هناك مع من تقلد المجد وارتاح تحت الثرى ؟ أو لعلك ممن يصنعون مجدها الآن .... مصراته  فوق الثرى ...... يا حبذا.

Iman sadeq: 17.5.011
Final edit: 05.07.011



No comments:

Post a Comment

Followers

Pageviews