إبراهيم محمد طاهر :اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس غياب الحقيقة يُهددنا أكثر من القذافي



    لقد هزنا جميعاً خبر وفاة اللواء الركن عبد الفتاح يونس ومرافقاه، ونحن نترحم عليهم جميعاً ونعزي أهلهم وأنفسنا أحر العزاء في فقدهم. وبغض النظر عن آراء الناس المختلفة بخصوص اللواء عبد الفتاح يونس، فإن عملية اغتياله قد شكلت ضربةً موجعة لثورتنا.
    هذا الاغتيال آلمنا وآلم ثورتنا لأنه خطف من الثورة أحد أهم رموزها وقادتها، وحرمنا من شخص لعب دوراً مهماً – ولعله من أهم الأدوار – في ثورتنا المباركة هذه. وبالرغم من كامل تقديرنا وعرفاننا، إلا أننا يجب أن لا ننسى أن الثورة ليست عبد الفتاح يونس، الثورة ليست مصطفى عبد الجليل، الثورة ليست المجلس الانتقالي، الثورة ليست بنغازي، ليست البريقة، ليست مصراته، ليست الزنتان... ثورة 17 فبراير لا يُمثلها أي شخص أو أي جهة أو أي مدينة، فالثورة هي (ليبيا) وهي (الشعب)، ولذلك فإن فقداننا لأي رمز من رموز الثورة، أو أي مدينة من المدن المحررة، أو أي عنصر مهم آخر كانت تحتويه ثورتنا لا يعني أننا فقدنا الثورة.

    ولكن... هنالك طرقٌ أخرى يمكن أن نفقد بها الثورة... وملابسات هذه الحادثة، وبالتحديد ما جاء في خطاب المستشار مصطفى عبدالجليل والبيان الذي ألقاه باسم المجلس، تُثير القلق بشدة في هذا الصدد...

n     المجموعات المُسلحة.

    الخطاب لم يُوجه اتهاماً مباشراً للقذافي. نعم تم ذكر حديث القذافي وإعلامه عن استهداف عبدالفتاح يونس وقيادات الثورة، ولكن لم يذكر (بصراحة) أن القذافي هو المسؤول، أو أن العملية هي من تنفيذ الطابور الخامس. ولكن الذي يوحي به ما تم ذكره عن تفاصيل الحادثة هو أسوأ بكثير من لو كان القذافي هو المسؤول...

    السيد المحترم مصطفى عبد الجليل وَضح في بيان المجلس بأن (مجموعةً مُسلحة) قامت بإطلاق النار على اللواء عبد الفتاح يونس ومرافقيه، وأوضح أيضاً بأنهم ألقوا القبض على (قائد) هذه المجموعة، بدون ذكر لمصير (المجموعة) نفسها. وهو كله كلامٌ مُطمْئن يُبين لنا أن التحقيقات هي على قدم وساق وأن العدالة تأخذ مجراها. ولكن المُقلق في الحديث هو ما ذكره السيد مصطفى عبد الجليل بعد ذلك مباشرةً؛ فهو قد صرح بأنه لا يمكن السماح لأي (مجموعات مسلحة) – مستخدماً نفس التسمية التي أطلقها على المُتهمين بقتل اللواء عبد الفتاح – لا يمكن السماح لها بالبقاء في المدن، وأنه يجب على أي (مجموعة مسلحة) إما أن تنطوي تحت لواء سرايا كتائب الثوار في الجبهات، أو أن تَنضم إلى قوى الأمن الوطني، وحَذرَ بأنه سيتم اتخاذ التدابير القانونية اللازمة ضد كل من يستخدم السلاح داخل المدن... نحن لن ننكر أهمية هذا الموضوع، بل نطالب بالاهتمام أكثر وأكثر بقضية انتشار السلاح والفوضى... ولكن، أيبدو هذا الكلام موجهاً إلى، أو عن خلايا الطابور الخامس؟!! وهذا ما يدفعنا إلى الشك بأن اللواء عبد الفتاح يونس قد قُتل على أيدي الثوار، أو على أيدي بعض الجماعات المُسلحة المُستقلة.

n     عودة القبيلة والقبلية.

    ومما زاد ريبتي وشكي بأن القتل قد حدث بالفعل من قبل أشخاص يدعمون الثورة، هو حديث المستشار مصطفى عبد الجليل عن القبيلة. لقد تكلم عن قبيلة العبيدات بشكل مُفصل، ونحن نتفهم أن العزاء واجبٌ لقبيلة العبيدات في فقيدهم، ولكن حديث السيد مصطفى عبد الجليل تجاوز التعزية ووصل إلى مرحلة الدفاع عن هذه القبيلة الجليلة وبيان دورها في دعم الثورة، وعدا عن هذا، فقد ذكر في سياق حديثه عن (المجموعات المسلحة) الموجودة داخل المدن بأن القبائل ستكون بالمرصاد لأي جماعة قد تُهدد المجتمع... وهذا ما يُقلقني كثيراً.. ألم نفني جهدنا ونحن نحاول أن نقنع العالم بأن ليبيا ليست مجتمعاً قبلياً؟! ألم نجتهد في رأب الصدع القبلي ونسعى لنشفي مجتمعنا من مرض التعصب القبلي؟! فكيف يعود الآن الحديث عن القبلية؟! وليس فقط الحديث عنها في نطاق (اجتماعي) ولكن في نطاق (عسكري)!!!
    إنني على ثقة بأن السيد مصطفى عبد الجليل لا يريد نقل صورة (قبلية) عن ثورة ليبيا، وبلا شك لا يريد أن يقول بأن الثورة لا يخوض غمارها الشعب كله ولكن تخوضها قبائلٌ مُسلحة، ولذلك، فإن التفسير المنطقي الوحيد لحديثه عن القبيلة هو الخشية من تداعيات هذا الأمر، ومحاولة تدارك ما قد ينتج من أزمات لو نشب صراعٌ مُسلح بين جماعات تتبع للثورة. وهذه النقطة تلمح كثيراً لكون جريمة قتل اللواء عبد الفتاح يونس كانت أمراً (داخلياً) في الثورة، فجميعنا نعلم بأن مثل هذه القضايا تتدخل فيها القبيلة بثقل يُحسب له ألف حساب، وأظن أنه من هذا المنطلق جاء ذكر القبيلة؛ فإن كان القذافي الجبان هو المسؤول هل كنا سنخشى من عواقب الأمر على الصعيد الاجتماعي والقبلي؟!

    فإذا جمعنا موضوع (المجموعات المسلحة) وما ورد في سياقها من حديث، وموضوع القبيلة وما أثير عنه من تحذيرات تكاد تكون وقائية، يتبين لنا بوضوح أن الأمر يبدو – للأسف – وكأنه بالفعل محصورٌ بين (أهل الثورة)، ولم يكن للقذافي يدٌ في الأمر...

n     جبهة الحيرة وألغام الغموض.

    هنالك أشياء أخرى كثيرة يجب أخذها بالحسبان، ولكنها تبقى غامضةً جداً حالياً.
    ملابسات التحقيق مع اللواء عبد الفتاح يونس وتفاصيلها مازالت غير واضحة. وأنا أستبعد اتهام البعض له باتصاله بنظام القذافي؛ فاللواء عبد الفتاح قد وقف مع الثورة بإخلاص، وهو ِمن أكثر مَن خدموا الثورة بعزمٍ ووفاء، كما أنه موجودٌ مع الجانب المُنتصر (الثوار) فلماذا يُفكر في العودة إلى الجانب الخاسر (القذافي) الذي أصبح مجرد مجرم مُطارَد فاقد للشرعية؟!! وفي الحقيقة فإن هذا الاتهام (غير المُثبت) قد يُفسر سبب قتل اللواء عبد الفتاح يونس من قبل جهات تتبع للثورة، فانتشار مثل هذه الإشاعة في أوقاتٍ حرجة نرى فيها تُهم الخيانة تتقاذف هنا وهناك أكثر من الرصاص والصواريخ، هو كفيلٌ بأن يؤدي إلى عواقب التسرع والانفلات، ومن الطبيعي جداً، في هذه الأوقات، أن يُقتل الناس بناءً على اتهامات وإشاعات غير مؤكدة.
    وبالطبع فإن غموض أسباب ووقائع هذا التحقيق وَفرَ ساحةً خصبة لخلق وانتشار الإشاعات، وعتبُنا الآن لا يمكن أن يوجه للناس الذين يندفعون خلف الشائعات ويُروجون لها – مع أنهم بالطبع يستحقون التأنيب على ذلك – ولكن عتبنا يقع بالدرجة الأولى على المجلس الانتقالي وانعدام الشفافية في بيانه الرسمي الذي ألقاه السيد مصطفى عبدالجليل، والذي لم يُورثنا إلا مزيداً من القلق والإرباك.

n     بيان المجلس الانتقالي: أسئلته أكثر من أجوبته!

    البيان لم يكشف أي شيء إطلاقاً، وكل الذي اكتشفناه منه هو: تم استدعاء اللواء عبد الفتاح يونس من قبل لجنة تحقيق، تم قتله مع اثنين من مرافقيه (العقيد محمد خميس، والمقدم ناصر المذكور) بإطلاق النار عليهم من قبل مجموعة مسلحة، وقبيلة العبيدات قدمت للثورة حوالي 40 شهيد و500 مقاتل على الجبهات!
    لم يتم التصريح عن مُجريات التحقيق وأحداثه أو نتائجه الأولية. ولم يُعلن بصراحة ووضوح أن القذافي هو المسؤول: القول بأن القذافي وإعلامه صرحوا بأنهم سيستهدفون قادة الثورة هو كلامٌ واسعٌ وفضفاض، وأي كلام يمكن نفي معانيه لاحقاً، أو يمكن تفسيره على عدة أوجه لا يمكن اعتباره أبداً كلاماً صريحاً. ولم يتم توضيح طبيعة (المجموعة المسلحة) التي أطلقت النار على اللواء عبد الفتاح، بل إن التعقيب الذي ورد على ذلك الموضوع يكاد يكون دليلاً قاطعاً على أن الجماعات المسؤولة محسوبةٌ على الثورة. والحديث عن دور القبيلة (المُسلح) في المجتمع وفي الثورة لم يزدنا إلا حيرة.
    فهل تعني (الشفافية) إثارة الحيرة والإرباك؟ هل تعني (الصراحة) التمويه والمداراة؟
    إن الكثير من أعضاء المجلس الانتقالي قانونيون – قضاة ومحامون ومسؤولون ودبلوماسيون – وجميعهم يعلمون بلا شك مقدار دقة القانون وتركيزه على استخدام لغة واضحة لا تقبل التفسير إلا بمعنى واحد.. فمن حقنا إذاً أن نُحس بألم القلق في صدرونا حين يبدأ أهل القانون في الحديث بكلام له وجهان، وحين نجد في كلماتهم بوادر التكتم والتعتيم والتمويه...

n     الحقيقة، الحقيقة، الحقيقة.. هي الحل.

    أسئلةٌ كثيرة تُعشش في خواطرنا كقطعان النسور الجائعة، تهددنا بأن تنهشنا باليأس والخيبة: ما هي حقيقة الاستدعاء والتحقيق؟ ما هي حقيقة تصرفات اللواء عبد الفتاح يونس؟ ما هي حقيقة عملية قتله؟ ما هي حقيقة الجهة التي قتلته غدراً؟ إنَّ انعدام إجابات هذه الأسئلة، غياب الحقيقة وإخفائها، يُهددنا ويُهدد ثورتنا أكثر من القذافي وأسلحته وكتائبه ومرتزقته.

    وفي ظل هذا التعتيم، ونحن ننتظر الحقيقة، كل ما يمكننا أن نرجوه ونحن نتمسك بشمعة الصبر والأمل وسط ظلمات الحيرة والغموض، هو أن نتمنى أن يكون القذافي هو من قتل اللواء عبد الفتاح يونس... أرجو من كل قلبي أن يكون الرصاص الذي قتله قد انطلق من بندقية مسمومة باسم السفاح الجبان القذافي...
    أرجو ذلك من كل قلبي... فلو لم يكن الأمر كذلك، لو كان الأمر نزاعاً أو صراعاً أو فتنةً داخلية... فإن هذه الحادثة قد تكون أولى بوادر ضياع ثورتنا.

    نحن الآن في أوقاتٍ حرجة، أوضاعنا حساسةٌ جداً.. ونحن نُدرك أهمية الحفاظ على وحدة الصف، وأهمية المحافظة على المعنويات، ولكن ما حدث إلى الآن من ارتباكٍ وتعتيم هو الذي يُفرق صفنا ويُحبط معنوياتنا، ونحن نحتاج للحقيقة والصراحة؛ فهي التي ستكشف لنا كل شيء، ويجب أن لا نخشى من فقدان الثقة في أنفسنا وفي قياداتنا، أو أن نتوجس من زعزعة وحدتنا في هذه الثورة، فكشف الحقيقة لا يمكنه أن يؤدي إلى ذلك، وعلينا السعي من أجل الحقيقة ومن أجل تطبيق العدالة: إذا كانت خيانةً فلنكشفها ونعتقل الخونة، إذا كانت جريمةً مُتسرعة فلنكشفها ونعتقل المسؤولين، إذا كانت عملية اغتيال جبانة بشعة فلنكشفها ونتابع الكفاح...

    يجب أن نسعى من أجل كشف الحقيقة لكي نعرف كيف نتصرف وكيف نعالج أسباب هذه الحادثة، فلا يمكننا أن نبقى نتخبط في هذه الحيرة والشك بعجز، لا يمكننا أن نُبقى أنفسنا هكذا في موقعٍ مكشوف نكون فيه مُعرضين للفُرقة وللهجوم.
    الحقيقة هي الحل.. الحقيقة هي أقوى سلاح يحمي ثورتنا ويضمن سلامتها، ويجب أن لا نرضي بأي شيء سوى الحقيقة.

‏29‏/07‏/2011
إبراهيم محمد طاهر.

No comments:

Post a Comment

Followers

Pageviews